الأحد، 3 يوليو 2011

الثورة و الحاكم العادل.. و الحلول السحرية


الحل السحري .. هو أمل الغالبية .. قبل الثورة و بعدها ..و إن اختلفت الوسائل لتحقيق غاية الرخاء.. إلا أن الوسيلة المنتظر استخدامها واحدة ..

فقبل الثورة كنا ننتظر حاكماً عادلاً على غرار عمر بن الخطاب.. و المهدي المنتظر

يأتي فجأة .. فيعم الرخاء.. يعطي كل ذي حق حقه.. ينصر الضعيف و يوزع بالعدل على الناس ما يجعلهم يعيشون في أمان و رفاهية ..

و بفضل هذا المنتظر سوف نتطور اقتصادياً و عسكرياً و علمياً .. و حتى أخلاقياً..

و هو ايضا من سيجعلنا نحب العمل و نجتهد .. باختصار هو من سيجعلنا نفعل كل شئ رائع .. و هو من سيزيل كل شئ فاسد

و المشكلة الحقيقية هي أننا وقفنا لسنوات ننتظر هذا البطل.. وفي كل مرة يجئ شخص نظنه هو بطلنا الجديد.. ثم بعد فترة يتضح لنا أنه لا بطل و لا اي حاجة .. و أنه مثله مثل الباقين..

فلما يئسنا من حكامنا أن يكونوا أبطال.. بدأنا نتوسم فيهم أن يتحسنوا .. و ندعوا لهم بالتقوى و الصلاح.. و نلتمس لهم الاعذار.. فتارة نعلل المشاكل بفساد من حوله .. و تارة نعللها بأن الرجل ليس خارقاًو أن الأعباء حقاً كثيرة... و في كل مرة نختلق أعذاراً للحاكم .. حتى نفدت الحجج منا .. و أصبح لا مجال للشك في أن هذا الحاكم حاكم فاسد ..فماذا فعلنا؟

بدأنا نبحث عن اسباب أخرى لما نحن فيه ... و تصورنا – او تصورت فئة منا- ان المشكلة ليست في الحاكم .. و ان المشكلة الحقيقية تكمن فينا نحن .. و غذى هذا التصور بعض دعاة الدين الذين دعمهم الحاكم ليأكدوا لدى الناس هذه المعلومة ..

و مع تأكيد بعض الدعاة لهذه المعلومة أصبح ذلك التفسير لتدهور البلاد و ضياع حقوق العباد هو التفسير الرسمي.. و أصبح الناس بدلاً من أن ينظروا للسبب الحقيقي وراء ما حل عليهم من خراب، أصبحوا يحتقرون انفسهم و يجلدون ذاتهم كلما وجدوا أي مظهر من مظاهر الفساد...

حتى جاءت الثورة ...لا يهم كيف جائت و متى جائت و من السبب فيها .. و لكن المؤكد أنه لا شك أن من أشعل فتيلها هو كل من كان يفكر عكس التصور السابق ذكره..

من بدأ بالثورة هو من آمن بشيئين.. أولهما أن المسبب الرئيسي لما نحن فيه هو من يجلس على القمة.. أي الحاكم..

و ثانيهما أن الناس هم بالفعل سبب الفساد.. و لكن ليس لسوء اخلاقهم في المعاملات اليومية كما صور لنا بعض الدعاة المضللين .. و لكن لعدم ثورتهم على الحاكم الظالم الذي نفدت كل الحيل القانونية و الطبيعية في اصلاحه.. و أصبح لا أمل من اصلاحه الا بالإطاحة به ..

و ألتف الكثيرون حول دعوة الثورة .. لا أقول كل الشعب.. و لكن فئة كبيرة منه آمنت بالثورة و أحبتها .. و رأت فيها المخرج مما هم فيه من مشاكل... و حلت الثورة محل الحاكم العادل المنتظر قدومه.. أخذت مكانه كحل سحري لكل شئ يعانون منه ..

ثم.....

لا شئ..

بعد النشوة الاولى ابتهاجاً بسقوط رأس النظام ... أكتشف البعض حقيقة مهمة .. ألا و هي أنه لا رخاء بعد الثورة .. لا جديد بعد الثورة .. مازالت الأحوال كما هي .. إن لم تسوء أكثر عند البعض..

فجأة انتهت الفرحة .. و حل محلها الملل و القرف... من ماذا؟ من أي شئ و كل شئ..

حالة غريبة من الفتور أصابت الكثيرين من بعد الثورة .. فجأة أكتشف الجميع أن الثورة ليست حلاً سحرياً.. و أكتشفوا خطأ مقولة :" مصر قبل 25 يناير غير مصر بعد 25 يناير"...

لأنهم وجدوا كل شئ قبل 25 يناير هو نفس الشئ بعد ذات التاريخ

.. حرية .. كرامة .. كلمات لا تعني الكثير لدى البعض... فهو قبل الثورة لم يكن يعاني من مشكلة حرية .. فلم يكن له اي نشاط سياسي و لا أي رأي في اي قضية ...

البعض لم تكن تنقصه حرية .. فهو يرى نفسه حر.. و لم تكن تنقصه كرامة .. فقد كان لا يشعر بأي شئ يطعن كرامته ...

فقط كان ينقصه أن يعيش في رخاء ...و حين لم يتحقق هذا الرخاء بعد الثورة مباشرةً بدأ يشعر بأن المشكلة ليست في النظام الذي سقط.. و أن الثورة ليست لها أي أهمية

الثورة لم تكن حلاً سحرياً أبداً... و لا حتى الحاكم العادل..و لا حتى أي شئ في الدنيا

متى يؤمن هذا الذي ينتظر حلاً سحرياً أنه لا توجد حلول سحرية..

إن الإنسان منا .. تقريبا كل شخص.. يدرك جيداً أن كل شئ في هذه الدنيا لا يأتي بسهولة .. تجده يذاكر لينجح .. و يتعب ليحصد المال.. و يشقى ليؤسس بيتاً و أسرة .. كل هذا على مستوى حياته الشخصية

أما بالنسبة للبلد .. فهو يرى أنها يجب أن تتطور بلمح البصر.. ولا تنطبق عليها القواعد الطبيعية للنجاح..

و ليس هذا فقط.. المشكلة الأكبر أنه لا يدرك أن الشخص المفترض به أن ينهض بالبلد هو شخصه.. هو بعينه ....

الفكرة هي أنه ينتظر .. و لا يفهم أنه هو الذي من المفترض أن ينتظر الناس منه النتائج

وكل هذا بسبب عدم ربطه بين مصلحته الشخصية و مصلحة الوطن الذي يعيش فيه.. و لا يدرك أن المصلحتان واحدة .. و كلاهما مرتبط بالآخر

************

************

و لا أعتقد أن تلك النظرة سوف تتغير سريعاً.. و لا أعتقد أن هذه الفئة التي تنتظر حلولاً سحرية سوف تؤمن بأنه لا حلول سحرية .. ستظل تنتظر.. و تسب و تلعن .. إلى أن تموت .. أو يعم الرخاء.. أيهما اقرب

ملحوظة: المقال ليس عن الشعب المصري.. و لكن عن فئات معينة