الجمعة، 2 مارس 2012

مجهود شاق

كعادتي حين لا أجد نفسي أريد أن أكتب شيء ما أكتب عن الكتابة نفسها !!

مرت مدة طويلة على آخر شئ حقيقي كتبته ولو حتى على سبيل تدوين الخواطر ... قد يكون هذا عادي بالنسبة لأي شخص ولكن بالنسبة لشخص مثلي هو مشكلة حقيقية .. الكتابة بالنسبة لي لا تمثل فقط هواية أفعلها من حين لآخر.. مؤخراً اكتشفت أن الكتابة هي الشئ الوحيد الذي أدعي أني أحبه وأدعي كذلك أني أجيده نوعاً ما...

لا يوجد شئ آخر في حياتي أدعي إجادته .. قد تسمي هذا عدم ثقة بالنفس .. أو شعور بالدونية .. قد تقول أنه نوع من التواضع .. ولكن أنا وحدي فقط من يعرف نفسي ولست أكثر مني معرفة بها .. أن لست أجيد أي شئ آخر... إلا الكتابة..

ما يجعلني أدعي أني أجيد الكتابة نوعاً ما هو أنها الشئ الوحيد الذي مارسته وقال لي البعض أني قمت بعمل جيد...قالوها بصدق وبدون مجاملة .. أعرف هذا .. بطبعي لست أمدح نفسي أو أدعي أني أجيد شئ.. ولكني بالفعل أجد نفسي أجيد الكتابة وإن كنت لست الأفضل في هذا ولا يوجد أبداً ما يسمى الأفضل في أي موهبة أو أي إبداع.. الأفضلية تتحكم فيها أشياء كثيرة ولها معايير عدة.. قد يكون هذا الكاتب أفضل لأنه الأكثر مبيعاً .. أو أفضل لأنه الأكثر فصاحة ..أو أكثر ثقافة .. أو أن شخص ما يعتبره الافضل لأنه يعبر تماما عما يريد قوله.. الأفضلية ليست حكراً على أحد.. أن تكون جيد ورائع هو في حد ذاته انجاز.. أما أن تسعى لأن تكون الأفضل بلا منازع فأنت تضيع وقتك وتفهم الأمور بشكل خاطئ

أعود إلى نقطة البداية .. توقفت منذ فترة طويلة نسبياً عن كتابة أي شئ.. وإن لم أتوقف عن التفكير في الكتابة .. لم أتوقف أبداً عن التفكير في الكتابة .. ربما بالذات الأدب.. أسطيع أن أقول أيضا أني واسع الخيال.. لدرجة سيئة للأسف.. أنا نوعاً ما أعيش في الخيال أكثر من الواقع.. وأحول كل شئ أراه أمامي لقصة قصيرة أو رواية طويلة ..ليست ميزة افتخر بيها ولكنها بصراحة عيب خطير.. حولني لانسان ( تائه) في تلك الحياة .. أدرك أهمية الواقع وأعيش بدون إرادة في الخيال.. لذا فأنا عالق العالمين ..

لم أكن كذلك .. في الغالب لم أكن أنقطع هكذا .. نوعان من الكتابة أكتبهما .. كتابة تُعرض على الناس.. الذين هم في الغالب أصدقائي على الفيس بوك.. وكتابة أكتبها لنفسي لا أحد غيري يقرأها تماما إلا لو وقعت في شخص ما صدفة... كنت كثيراً ما أمتنع عن الكتابة على الفيس بوك ولكني قليلا ما أمتنعت عن كتابة خواطري على الورق... فجأة كل شئ توقف ... حتى بدون أن أستشعر أني توقفت...فجأة أكتشفت أني مرت علي مدة طويلة وأنا في حالة كسل إبداعي.. قررت أن أوقف هذه الحالة و أن أعاود الكتابة من جديد..

ولكن شئ ما أستوقفني.. سؤال سألته لنفسي.. " هل أنا حقاً أحب أن أكون كاتباً؟! .. أم أنني فقط شخص يكتب ..مثلي مثل آخرين؟" ..

كثيرون يكتبون في بلادنا .. ولكن مهما بلغوا فهم قليل مقارنة بالشعوب الأخرى بالطبع.. ولقلتهم تلك فإن أي شخص يكتب أي شئ بإنتظام وينشره للناس سيجد نفسه بلا شك شخص متفرد عن الآخرين .. وتجد بعض معارفه واصدقاؤه ( الجهلاء) يلقبونه بالمثقف والعالم والمبدع والمفكر ... إلخ.. مهما كان مستواه الثقافي أو الفكري... يكفي أن تلقي نظرة على ( الكتاب) الجدد وكتبهم .. كتاب اسمه " كتاب ملوش اسم" مكتوب بالعامية الركيكة السطحية يحتوي على أفكار بدائية تقليدية يعرفها أي طفل ذكاؤه فوق المتوسط بقليل.. ومع ذلك تدخل على صفحة الكتاب في موقع GoodReads لتجد عشرات عبارات المديح التي ربما لا ينالها كتاب متوسط القيمة ( وليس عديم القيمة) إلى الدرجة التي يصف بها أحد المعجبين بالكتاب أنه" أفضل كتاب قرأه بعد القرآن "!!!!!!

أن تكون تلك هي عينة القراء في مجتمعنا... فلا تفرح كثيراً إن كنت تلاقي بعض المديح على أشياء تكتبها ..

لذا فسألت نفسي:" هل أنا متميز أم لا؟" هل هناك حقاً شئ ما فيما أكتب أم لا.. جلست أعيد قراءة ماكتبت ..اكتشفت أن كثير مما كتبت ملئ بأشياء أعتبرها الآن تفاهات .. أكتشفت أني حتى تلك اللحظة لم أكتب شئ حقيقي استحق أن أفتخر به وأقول أني كاتب... أو أني متميز في هذا المجال

ربما هذا طبيعي بفعل تقدم العمر وزيادة الخبرات في الحياة وكذلك زيادة المعرفة .. ربما هو علامة جيدة على أني أحب التطوير دائماً ولا أقف على مستوى واحد مما سيجعلني انحدر بالطبع.. كل هذا جميل

ولكن حين حاولت أن أكتب شئ حقيقي .. حين عدت بعد انقطاع لم أجد نفسي امتلك القدرة على كتابة المستوى الذي أنشده... وفي نفس الوقت ليست لدي القدرة على كتابة الاشياء التي سبق وكنت أكتبها ... فحين أكتبها أجد نفسي غير راض عنها وسرعان ما أحذفها..

بدأت أسأل نفسي ما المشكلة ؟ أخذت أستعيد ذكريات الكتابة في الماضي.. بدأت افكر كيف كنت أكتب.. واكتشفت حقيقة اني لم أكن في الحقيقة أكتب.. أكتب بلا مجهود حقيقي.. بلا معاناة .. فقط أدع الافكار تنساب على الورق....

لم أكن أكتب بلا مجهود حقيقي يذكر .. أفكر في فكرة أحولها لكلمات بأسرع وقت ممكن كي أنشرها للأصدقاء ويعلقون عليها.. كنت أظن نفسي عبقري بتلك الطريقة الساذجة.. وكنت أسخر من هذا الكاتب الذي يقول أنه ألف روايته في عام أو عامين.. أتعجب من طول الوقت

ولكن الحقيقة أني أكتشفت أني أحيانا عندما أنوي كتابة شئ حقيقي.. قد أجلس ساعة أفكر في كتابة كلمة أو سطر!!! قد أجلس 8 ساعات لأكتب 8 أسطر ثم اكتشف أن هناك افضل من ذلك فسرعان ما أمسح ما كتبت .. وأحمد الله ان هناك اختراع اسمه الكتابة الالكترونية !!

الكتابة الحقيقية التي أريدها تحتاج كل هذا المجهود الشاق .. والذي لم أكن من قبل أتصور أنه هكذا ... وكعادتي لم أحاول يوماً أن ابذل في شئ ما مجهود شاق.. حتى لحظة كتابة تلك السطور لا يوجد شئ حقيقي في حياتي بذلك فيه مجهود شاق..

إن كلمة " المجهود الشاق" تصيبني بشئ من القلق.. لا لكرهي أن أبذل مجهوداً شاقاً.. ولكن لأني لا أضمن نفسي في الحقيقة ... وعدت نفسي أكثر من مرة وعاهدتها على بذل المجهود الشاق في أشياء كثيرة .. ولكن لم يحدث أياً منها تقريباً..

ولكن كل الاشياء التي عزمت على بذل المجهود فيها ليست كالكتابة .. الشئ الوحيد الذي أدعي إجادته .. والذي يعني الفشل فيه هو أن أكون إنساناً فاشلاً...

مشكلة المجهود في الكتابة أنه ليس كالمجهود في أي شئ آخر.. ليس كالمجهود البدني أو حتى المجهود الذهني في الأمور العلمية .. كل مجهود يبذل في تلك الأشياء هو بدون شك له عائد حقيقي معروف مسبقاً.. ولكن في الأمور الإبداعية .. فالأمر غير مضمون العواقب.. ومصير المجهود فيها يعتمد الحظ بنسبة كبيرة ..

لا أعرف في الحقيقة ماذا تخفي الأيام القادمة .. أتمنى فقط أن أعمل ولا أبالي بالمستقبل وأن أسعى للإبداع لأرضي نفسي أولا قبل أي شئ