السبت، 22 يونيو 2013

الحلم : " الساذج -المتفاءل- الواقعي"

الحلم الساذج
في البداية كانت صورتها في ذهني  غير واضحة المعالم
كانت  جميلة ولكن كل مرة يتغير شكلها .. كل مرة تتغير شخصيتها وقصة حياتها وطريقة تعرفي بها .. ولكنها في النهاية محبوبة في كل الاشكال
وكانت تحبني  بجنون .. جعلتها تحبني أكثر مما أحبها.. لا أعرف لماذا تحبني هكذا .. ولكن هذا ما أردته .. وقد كان.
رسمت القصة من البداية للنهاية
أفضل ممثل في العالم ... أغنى رجل في العالم .. أشهر لاعب كرة في العالم .. أنا من الآخر رقم 1 على مستوى العالم في شئ ما .. وهي فتاة بسيطة لم تكن تتخيل يوم أنها سترتبط برجل سيحتل رقم 1 في شئ ما .. وقصتنا بدأت  قبل الشهرة والنجاح .. أي أنها أحبتني لشخصي وليس لنجاحي ..
كانت  تغار علي بحكم مركزي العالمي ، تعاني من تهافت المعجبات .. ذات مرة رأت فتاة تقبلني على وجنتي فغضبت وخاصمتني .. فقلت لها أنها ضرورات العمل .. وغضبت من طول خصامها فخاصمتها .. فعادت لتصالحني !
بعد الزواج الناجح والشهرة والنجاح العالمي الساحق  تأخر الانجاب .. ذهبنا للطبيب وقال أنها عقيم .. بكت وعرضت علي أن أطلقها ولكني رفضت وقلت لها أني لن أتخلى عنها مهما حدث .. ازداد حبها لي وتعلقها بي أكثر ، وفي مفاجأة من القدر حملت بنتاً .. وكانت فرحة لا توصف .
كبرت البنت وكثر خطابها ولكنها كانت تحب ابن عمها .. وأنا فهمت هذا.. وكان هو يحبها ولكنه متحفظ و يخجل من التقدم لها لأني رجل عالمي شهير  وهو شاب بسيط ، فعملت بالنصيحة القائلة :" أخطب لبنتك ولا تخطب لابنك " ، أفهمته بالطريقة أني لا أهتم بفارق المستويات .. وأنه لو تقدم لي شخص ابن حلال سأوافق .. وفهمته اني اريد ان أزوجها لقريب لها حتى أكون على علم به وبماضيه وحاضره .. الخ ... تشجع في يوم وطلب يد ابنتي .. وتزوجوا وعاشوا في سعادة مثلي وزوجتي
بعد ذلك .. انطلقنا أنا وزوجتي نستمتع بالحياة .. ونسافر العالم كله .. ثم حدث لي مرض مفاجئ في الخمسين من العمر .. توفاني الله .. وزوجتي اصابها الاكتئاب والمرض .. حزنت كما لم تحزن في حياتها .. وبعد فترة  عادت للحياة الطبيعية .. ولكنها كانت تتذكرني دوماً بالخير .. وتبكي علي كلما تذكرتني ...

******************
*****************

الحلم المتفاءل
في البداية كانت صورتها غير واضحة المعالم ... كانت  جميلة ولكن كل مرة يتغير شكلها .. كل مرة تتغير شخصيتها وقصة حياتها وطريقة تعرفي بها .. ولكنها في النهاية محبوبة في كل الاشكال
وكانت تحبني  .. جعلتها تحبني أكثر مما أحبها.. لا أعرف لماذا تحبني هكذا .. ولكن هذا ما أردته وقد كان، ولكن الحب لم يأتي في البداية إلا بعد فترة من معرفتها بي
رسمت القصة من البداية للنهاية .. كنت في بدايات معرفتي بها شاب طموح .. كنت قليل الامكانات  ، ولكني كنت غني بالأحلام والكلام عن الاحلام .. كنت أطمح في اشياء مختلفة .. مرة طمحت في نجاح تجاري .. ومرة في نجاح سينمائي .. ومرة في نجاح علمي .. المهم أنه كان طموح
 تزوجنا في شقة متواضعة .. كانت بالنسبة لنا الجنة بعينها ..
أذهب اليها كل يوم عائداً من العمل وأنا في قمة غضبي مما لاقيته في هذا اليوم من مصاعب .. تهون علي كل شئ .. احيانا تعطيني افكار رائعة لحل مشاكلي .. نجحت في عملي وصرت أجني الكثير من المال .. مال جعلني انتقل لشقة افضل .. اشتريت سيارة  .. طعام افضل .. بيئة افضل .. كل شئ صار رائعاً..
كنا كما الاصدقاء .. كنا قبل حملها نخرج كثيراً للتنزه .. لا يهم المال .. المهم أننا نخرج وننطلق ونتكلم عن الماضي والحاضر والمستقبل.. الحب كما تراه على الشاشة ولكن مع الفارق انه واقعي مائة في المائة
أنجبنا ولداً وبنتاً .. وطبقت عليهما أفكاري التربوية التي تخيلتها قبل ولادتهما ..
كانا اشقياء ولكني بحكمتي استطعت ان اقومهما .. كثرت المواقف التربوية التي لم ينسوها في حياتهم .. ذات مرة كنا في حديقة عامة وكان ابني يضايق الناس في الحديقة بمسدس المياة .. كنت مؤمن بعدم جواز ضرب الاطفال .. ولكني في تلك المرة قررت ان اعطيه درساً لن ينساه ..
ناديت عليه مبتسماً .. فظن أني معجب بما فعل .. قلت له مبتسما :" بتعمل ليه كده يا حمادة ؟"
قال لي وهو يضحك :" بارخم عليهم ..هههه" .. وأثناء ضحكته صفعته .. حرصت ألا تكون الصفعة قوية أو ضعيفة .. فقط كافية لجعله يتألم .. غضبت امه ولكني أمرتها بالسكوت فسكتت .. ثم قمت واعلنت انتهاء الفسحة
عندما كبر ابني قال لي أن هذا الموقف كان حاضراً في ذهنه وكان سبباً في أنه لم يعد يضايق الناس مرة أخرى .. كان ابني صديقاً لي .. قال لي بصراحة أنه كان يكرهني بعد هذا الحدث ثم بعد أن جلست معه وفهمته لماذا ضربته أحبني وشعر بمدى حكمتي ..
تزوجت ابنتي من شاب على خلق .. وتزوج ابني من فتاة اجنبية مسلمة تعرف عليها اثناء عمله في كندا..
بعد زواج الاولاد انطلقنا أنا وزوجتي نستمتع بالحياة .. ونسافر رحلات كثيرة  .. ثم حدث لي مرض مفاجئ في الخمسين من العمر .. توفاني الله .. وزوجتي اصابها الاكتئاب والمرض .. حزنت كما لم تحزن في حياتها .. وبعد فترة  عادت للحياة الطبيعية .. ولكنها كانت تتذكرني دوماً بالخير .. وتبكي علي كلما تذكرت لي ذكرى طيبة ...

************* *************

الحلم الواقعي
في البداية كانت صورتها غير واضحة المعالم ... كانت  رائعة ولكن في كل مرة تتغير قصتي معها .. كل مرة تتغير طريقة تعرفي بها .. ولكنها في النهاية قصة رائعة ... قصة العمر لها ولي .

كنت على وشك أن أرسم القصة كاملة .. حرصت تلك المرة على أن تكون صورة واقعية قدر الامكان .. أدخلت البيانات الجديدة عني وعما حدث لي في حياتي .. فقالت ماكينة الأحلام لي بصوتها الآلي  :
" أجل أحلامك الآن .. أجعل من الحياة مفاجأة"!

الحب والحياة .. في مترو الأنفاق

رأيتها على  رصيف حلوان المقابل .. كنت وقتها في الثالثة والعشرين من عمري أعزب وليس عندي تصور ما للفتاة التي من الممكن أن أحبها .. ولكني عرفت أنها الفتاة المنشودة عندما رأيتها واقفة تنتظر المترو على الرصيف المقابل ، وقتها أرتبكت لم أدر ماذا افعل ؟!
تخيلت نفسي أني  سأقفز على القضبان وأعبر للجانب الآخر وأتحدث معها .. ولكني لست هذا الشخص الشديد الجرأة .. ومع هذا فكرت جدياً في تلك الحركة .. وأخذت أفكر وأفكر .. كانت رؤيتي لها وشعوري بأني ربما أفقدها للأبد يدفعاني لإرتكاب تلك الحركة المجنونة .. ما هي إحتمالات أن تراها مرة أخرى ؟! ،  كنت أشعر بغليان من الداخل وأكاد أُجن .. كان كل ما يفصلني عنها مجرد شريط مترو ..
هل هذه هي الحقيقة ؟!
لا .. حتى لو عبرت هذا الشريط .. هل سأمتلك الجرأة لأكلم فتاة لا تعرفني وأقول لها كلام عن الحب .. لا شك ستظنني مجنون .. لا يمكن أن تتصور أي شئ غير هذا.
صافرة إنذار قادمة من رصيف حلوان تعلن عن قدوم المترو .. ها هي سترحل .. لا زالت لدي الفرصة .. المترو لم يأت بعد .. أستطيع أن أقفز وأن أركب معها في نفس العربة وأن أنزل معها وأفتعل أي شئ لأكلمها .. المترو يدخل المحطة ببطء وصافرة إنذار أخرى على رصيف المرج الذي أقف عليه ، أظن أن هذا هو الوداع ... ما حدث اليوم هو المنطق .. الحياة تسير معي بالمنطق دائماً.. لم تمنحني لحظة واحدة من الجنون .. ولا أعرف في الواقع هل هي من فعلت ذلك أم أنا الذي فعلت.
مرت الأيام ونسيتها تماماً.. لم يأخذ الأمر وقتاً طويلاً ولم أتألم كثيراً.. ولكن الشئ الوحيد الذي بقى هو صورتها .. لم أعد أحبها هي بذاتها ولكني أعشق صورتها .. روحها التي بُثت إليّ  عند رؤيتي لها .. أصبحت في عقلي هي النموذج الذي أقيم عليه أي فتاة أراها .. شعرت أن هذا شئ من الجنون ولكنه جنون مطمئن .. جنون داخلي وأفكار وخواطر لم ولن أسمح لأحد أن يشاركني فيها .. خطر الجنون الوحيد يأتي عندما يعرفه الناس .. عندما يعرفون أنك مجنون تبدأ المتاعب
وفي الخامسة والعشرين من العمر رأيتها .. هي هي وليس شخص آخر .. وأيضا في مترو الأنفاق .. وهذه المرة على رصيفي .. رصيف المرج.. وترتدي نفس الملابس التي كانت ترتديها منذ سنتين .. لا يمكن أن أنسى صورتها..
هذه المرة لا يفصلني شريط مترو .. حتى هي لا تقف عند عربة السيدات .. أستطيع أن أركب معها .. أن أنزل معها المحطة وأعرف بيتها .. احتمالات كثيرة تدور في رأسي وقصص كثيراً أختلقها .. لا يمكن أن يكون تواجدها هنا مجرد صدفة .. القدر لأول مرة يتصرف معي بجنون.. أقتربت أكثر كي أقف على مقربة منها ، فقط مسافة مناسبة تجعلني أركب معها في نفس العربة.. تعجبت أنها كل هذا الوقت لم  تلاحظ أني أنظر لها ، في المرة السابقة لم تنظر لي أيضاً.. رغم أني لم أزح عيني من عليها .. وكأني غير مرئي ، كان هذا يضايقني أكثر من أي شئ آخر .. لماذا لا تنظر لي ؟ لماذا حتى لا تنظر للجهة التي أقف فيها ؟
عندما ركبنا في العربة كانت قليلة الزحام.. جلست هي ووقفت أنا بعيداً أنظر إليها .. أخرجت من حقيبتها كتاب لتقرأ فيه .. إذاً لن تنظر إلي أبداً.. جائت محطة غمرة وتدفقت الكتل البشرية بشكل فجائي وعجيب .. مجندين وصعايدة وفلاحين وباعة جائلين .. وكأنه آخر مترو في الوجود.. الزحام حجب الرؤية عني  ومنعني من معرفة أي محطة ستخرج فيها .. أما هي فبالزحام أو بدونه زحام لن تراني .

أعطاني القدر في هذا اليوم لمحة من الجنون .. ولكنه سرعان ما ذكرني بحقيقة أن جنون الحياة ليس قدري .. أنا خُلقت لأعيش حياة واقعية ..
هذه المرة كان كل حزني على نفسي وكل غضبي من نفسي ... الفتاة وحبي لها مجرد رمز .. ليست المشكلة أن أعرفها أم لا .. المشكلة أني راجعت كل شئ في حياتي ووجدت أن الحياة نفسها مثل تلك الفتاة التي أحبها .. لا تنظر إلي .. تهل علي كل  فترة .. وعندما تهل لا يحدث أي شئ .
جاء سن السابعة والعشرين .. وفي نفس المترو ونفس الرصيف ونفس الفتاة بنفس الزي ونفس الهيئة ..
ها هي الحياة تقف أمامي .. ها هو حب العمر وتحديه .. ها هو القدر يتحداني من جديد .. الحياة أمامك ولن تطولها .. في الواقع لا يفصلك عنها شئ .. ولكنك لن تطولها
هذه المرة لن تكون مثل أي مرة .. لا يمكن أن تمر على خير ..
إنها تقف أمام عربة السيدات .. القدر عرف بقوة عزمي وإصراري هذه المرة فصعبها  عليّ أكثر .. ولكني سأفعلها ..

المترو قادم الآن .. وها هي على وشك الركوب ولا وقت لأن أوقفها .....سأركب معها عربة السيدات .. ربماً يُقبض عليّ ، ربما تصورني إحدى السيدات بالفيديو وتضعه على اليوتيوب تحت عنوان :" متحرش يركب عربة السيدات" .. لا يهم .. القدر لا يمنحني الجنون .. سآتي به أنا لنفسي
قفزت في العربة وكانت مكدسة بالنساء .. انهالت علي عبارات السباب وضربتني سيدة ما بالشبشب.. صرخت فيهم بصوت عالي وقلت :" يا جماعة ..  انا اسف .. بس أنا عاوز أكلم الآنسة دي في موضوع مهم  بقالي فترة وكل ما آجي أكلمها تحصل مشكلة تمنعني .. لو سمحت سيبوني أكلمها "
لم يعد هناك صوت سوى صوت حركة المترو .. نظر الجميع لي وللفتاة
ونظرت هي .. ولأول مرة .. لا أستطيع أن أصف ما حدث لي وقتها من الداخل
 كانت مرتبكة وخائفة .. نظرت لها وحاولت أن ارسم على وجهي ملامح مطمئنة قدر الإمكان وقلت :
" ممكن تنزلي معايا المحطة الجاية .. هما كلمتين مش أكتر والله "
لم ترد علي ولكن عندما جائت المحطة نزلت منها .. ونزلت أنا مسرعاً والنساء تنظر لي ولها بملامح مختلفة من الدهشة والتعجب والسخرية .. وجدتها جالسة دكة المحطة ..جلست بجوارها وأخذت لحظات قبل أن أجد الكلام المناسب الذي أريد قوله

(تمت)