الاثنين، 3 سبتمبر 2012

أن تكون كاتباً في بلد كمصر!


         قد يستعجب البعض أن ينصح شخص مثلي مبتدئ في مجال الكتابة أن يتوجه بنصائحه وأفكاره  للآخرين حول هذا المجال .. وربما لست حتى في مرحلة المبتدئ فلم أبدأ في شئ حقيقي بعد.. إنه شئ يفقد كلامي مصداقيته .. فالنصيحة حين تأتي من  شخص بلا تجربة أو خبرة لا تلقى أي إهتمام.. ويستخف بها الكثير
ولكن رغم كل هذا أجد أن عندي بعض  من الأفكار والآراء والانطباعات الأولية حول مجال الكتابة والأدب بصفة عامة .. هذا لأني أحب هذا المجال وأبحث فيه ولو على مستوى صغير بشكل عشوائي وغير علمي..  وبالذات في الفترة الآخيرة السابقة لكتابة هذه السطور.. حيث أنني أصبحت أفكر في فعل الكتابة نفسه أكثر من تفكيري في أن أكتب أو أن ابحث عن فكرة ما لقصة او مقال ..بدأت أقرا بعض السير الذاتية للكتاب السابقين والحاليين.. وأتأمل كثيراً في حياتهم .. وحياة من حولهم وأضع نفسي مكانهم .. وكانت حصيلة تلك القراءات مجموعة من الملاحظات.. أعرضها  في شكل نقاط ولك مطلق الحرية في أن تتفق أو تختلف معي ..
( ملحوظة مهمة : انا في تلك الملاحظات أتكلم عن صعوبة ان تكون كاتب جيد ورائع ومحترف .. لا أن تحمل في البطاقة في خانة الوظيفة كاتب أو أن تنشر كتاباً والسلام .. فما أكثر من يكتب وما أقل العباقرة والمبدعين الحقيقيين)
1- أول شئ يعيب مجال الكتابة.. هو أن الكل يكتب!!!
المتابع منكم لرسائل كبار الأدباء سيجد أنهم يشتكون من كثرة الأعمال المقدمة لديهم من أدباء شبان كي يبدو رأيهم فيها .. حتى أن أحمد خالد توفيق كان يحكي أنه يخرج من أي ندوة يقيمها وهو محمل بكم كبير من الأوراق وهي أعمال معجبيه الشباب..
نعم الكل يكتب فالكتابة ليست عمل صعب.. وبالذات في عصرنا هذا حيث انتشر التعليم وأصبح الانسان الذي يجيد القراءة والكتابة انسان عادي جداً .. وهذا بخلاف ماضينا البعيد حيث كان للكاتب ثقله ووزنه .. وكان الشخص المجيد للقراءة والكتابة شخص له وزنه واعتباره ويتباهى بكونه يجيدهما.. أما الآن فأصبحت إجادتك للقراءة والكتابة أمر طبيعي..
المقصود بهذا الكلام هو أن أداة الكتابة نفسها أصبحت منتشرة .. وربما بالذات في عصرنا الحديث أكثر وأكثر بانتشار الانترنت  و الحواسيب و النشر المباشر بدون حتى الحاجة لناشر .. كل هذا جعل هناك حالة من الانفجار في مجال الكتابة .. الكل بلا استثناء يكتب.. فمن منا ليس لديه حكايات يريد أن يرويها .. أو آراء يريد أن يبديها ..من منا ليس لديه خيال يوحي إليه بأفكار سواء كانت ساذجة أو عبقرية .. ولكنها في النهاية تستحق الكتابة والنشر من وجهة نظر صاحبها ..
لا شك أن كثير من الناس من هؤلاء الذين يمتلكون حكايات وأفكار وخيال وعندهم القدرة (التقنية وليس الابداعية ) على الكتابة  يتمنون لحكاياتهم وآراءهم أن تصل لأبعد مدى ممكن من حيث الانتشار ... لذا فأصبح المعروض في حقل الكتابة كثير جداً .. وأصبحت كلمة " كاتب" أو " أديب" وحتى " مفكر" ومحلل استراتيجي كلمات  شائعة مستهلكة ببشاعة .. لا يشترط لكي تنال اللقب أن تحصل على درجة ما علمية .. أو أن تصل بأعمالك لمستوى معين تستحق فيه اللقب فتنشر لك أعمال تنال استحسان  استحسان العامة.... فقط أكتب وأنشر ما تكتب على أي شئ وتستطيع أن تلقب نفسك بالكاتب أو المحلل الاستراتيجي أو المفكر... تستطيع أن تكون ما تشاء مع نفسك... ولكن لو جئنا للشق الاحترافي.. أي أن تصبح كاتب محسوب ضمن الشخصيات العامة المعروفة للناس كافة .. تنشر له كتب وتباع في كل مكان وتكتب في الصحف والمواقع الشهيرة بصفة ثابتة على الانترنت  ويصبح  لك وزن حقيقي فالأمر صعب جداً... لأنك ستجد نفسك نقطة في بحر.. حتى الفرصة التي تريد أن تأخذها من أجل أن يقرأ كلامك ناشر أو رئيس تحرير في جريدة ستكون فرصة صعبة ..  أتذكر بخصوص هذا حكاية رواها محمود السعدني في مذكراته " الولد الشقي – الجزء الثاني " عن بدايات عمله بالصحافة حين كان له صديق رسام  وهو كاتب وكلاهما يسعى لشق طريقه في مجال الصحافة  .. صديقه الرسام  أستطاع بسهولة أن يعمل في أكثر من جريدة عكسه هو فقد لاقى الكثير من الصعاب كي يلتحق بأي جريدة .. وحتى كي ينشر أي كتاب.. لماذا؟ لأن الرسم يعبر عن نفسه ... لا أحتاج ساعة لأن أحكم على رسام كاركاتير أنه جيد أم سيء.. فقط يعرض علي رسمه وبنظرة واحدة سأستطيع أن أحكم عليه .. أما الكاتب.. فأنا مضطر أن أقرأ وأدقق ويختلف حكمي حسب ميولي وحسب توجهاتي ..
لو تخيلاً على سبيل المثال  أن هناك  عشرة رسامين متقدمين لجريدة ما.. وعشرة كتاب متقدمين لنفس الجريدة
لو عرض كل واحد من هؤلاء أعمالهم على الجريدة .. كم سيستغرق هؤلاء من الوقت وكم سيستغرق هؤلاء؟!
نفس الحال بالنسبة للمطربين والممثلين.. المطرب والممثل لا يحتاج لوقت طويل كي تدرك أنه موهوب.. اما الكاتب فلابد أن تدقق كثيراً فيما كتب والأمر في النهاية سيعتمد على طبيعة تقييمك قبل أي شئ

2-  كل إنسان بلا شك يسعى لتحقيق مستوى رفاهية جيد في حياته..وبالطبع المستوى المطلوب ونوع الرفاهية يختلف من شخص لآخر.. ولكن كلنا نشترك في نفس الرغبة بإختلاف درجاتها  .. ولا يأتي هذا بالطبع عند معظم الناس إلا بالعمل .. والناس أنواع .. فئة تعمل من أجل المال .. وآخرين يعملون من أجل إثبات الذات والمال في نفس الوقت.. الذي يعمل فقط من اجل المال يستطيع أن يعمل أي شئ.. لا يشترط لديه أن يكون العمل شئ يحبه ام لا.. هو في الواقع لا يفضل نوع معين من العمل.. العمل المفضل لديه هو الأكثر ربحاً والأقل تعباً وقلقاً..لا يشترط نوع العمل ..
. أما من يعمل لإثبات الذات والمال معاً فهو شخص يهوى مجال ما بشدة ولا يرى نفسه إلا فيه.. ولا يرى أنه يصلح في أي شئ آخر إلا هذا المجال.. إنه يسعى مثل كل الناس لأن يجمع مزيد من المال ليحقق له الرفاهية المطلوبة .. ولكنه لا يريد أن يجمعه من أي طريق .. بل من طريق معين .. من طريق محبب إليه.. فهو يرى أن جمع المال والعمل في المجال الذي يحبه هو هدف واحد .. أو هدفان متساويان من حيث الأهمية .. لذا فيصر محب الطب على العمل كطبيب والمهندس كذلك والممثل والمغني وأيضا الكاتب..
ولكن الكاتب مشكلته كبيرة في هذا الأمر.. وبالذات في دولة مثل مصر أو في الوطن العربي بصفة عامة .. حيث أن مجال الكتابة نفسه ليس أفضل مجال لجلب المال في هذا الوطن.. بل هو مجال لا يجلب أي مال بالمرة.. ولكي يجلب المال يحتاج إلى عمر طويل وإلى تضحيات كثيرة .. هذا في حال ما إذا تخصص الإنسان في الكتابة فقط وترك كل شئ .. لذا ستجد أن أغلب الأدباء المعروفين كانوا يعملون موظفين .. وأشهرهم بالطبع نجيب محفوظ الذي قال حين سئل ذات مرة في حوار تلفزيوني عن مدى حبه لوظيفته :" أنا لا أحب الوظيفة هي فقط وسيلة تساعدني لأن أعمل في الأدب فهو معشوقي الأول "... وهذا يرجع بالطبع إلى أن سوق القراءة في الدول العربية اصلا ضعيف .. فلا أحد يقرأ .. وبالتالي لا أحد سيربح من الكتابة .. وإن ربح منها فهو يربح إما بشكل مؤقت  أو بحصيلة قليلة لا تسمن ولاتغني من جوع
3-  في الدول الفقيرة  مثل مصر أنت غير حر طليق تستطيع مثلا أن تتفرغ عام لكتابة رواية ما .. تعرف جيداً أنك لن تجد ربما من يصرف عليك هذا العام.. وحتى بعد نشر الكتاب في الغالب لن تحصد ثمار هذا التفرغ.. هذا إذا وضعنا في الاعتبار أنك متزوج وعندك أولاد ومصاريف ومسئوليات .. لذا فإذا أردت أن تعمل في هذا المجال.. فلا يمكنك أبداً أن تضع في اعتبارك أنك ستتفرغ تماماً .. رغم أنفك لابد أن يكون هذا المجال شئ جانبي في حياتك اليومية .. حتى لو كان غير ذلك بداخلك.. إن صورة الكاتب المفكر الذي يذهب لمكان منعزل يفكر فيه بعمق ويعيش حياته بالطول والعرض كما تظهر في الافلام هي فكرة لا وجود لها على أرض الواقع في بلاد كبلادنا.... خصوصاً إذا كنت تريد أن تحيا حياة اجتماعية طبيعية

تلك هي بعض الملاحظات العشوائية .. لا أملك حلول حقيقية لأخبرها لك .. ولكني لا أضعها كي اقول ان الامر مستحيل .. فلا يوجد مستحيل على من يملك حلم حقيقي وطموح قوي!