الأحد، 23 أكتوبر 2011

ربع قرن من العزلة


انا الآن على وشك الدخول في عامي الخامس و العشرين.. شعور سيء ان يشعر الانسان ان عمره يتقدم.. الأمر لا يكون كذلك في البداية .. الطفل يود دوماً أن يكبر.. يود أن يثبت للناس أنه كبير.. يقلد الكبار في كلامهم وحركاتهم.. سواء كان سلبي ام ايجابي

الأطفال يغيظون بعضهم البعض بعمر كل منهم.. في شلة الأطفال ..الأكبر يتفاخر بأنه كبير.. و أصغرهم يشعر أنه تافه حقير.. دوما كل سلوك سيء يعايرون صاحبه بأنه " عيل صغير"..بالذات حين يبكي.. و حين يرفض تدخين السجائر.. أحد أهم اسباب التدخين دوما يكون تقليد الكبار .. أو استفزاز أحد الاشخاص بأنه طفل و لا يمكنه شرب السجائر

كل هذا يكون حتى مرحلة معينة .. بعدها لا يعتبر الانسان أن التقدم في العمر ميزة .. بل و يظل يفتخر دوما بصغر سنة و يظل يحاول كل يوم ان يقنع نفسه انه ليس كبيراً و أنه لازال صغير و المستقبل امامه!!

متى هي تلك المرحلة؟!! ليس لها سن محدد .. و لكن تُقاس بالنضج.. حين يدرك الانسان أن التقدم في العمر ليس به أي ميزة.. و أنه يقرب الانسان خطوة من الموت .. و علاوة على هذا فهو بمثابة ضياع اشياء كثيرة .. فما يصلح لك في عمر العاشرة لا يصلح لك في عمر الخامسة عشر.. و ما يصلح في العشرين لا يصلح في الثلاثين و ما يصلح في الاربعين لا يصلح في الخمسين.. و هكذا

كل عام يبعدك عن اشياء كثيرة .. و أنت شاب يكون كل شئ أمامك متاح.. كما نقول في كلامنا الدارج" الدنيا فاتحة لك دراعها"

الصحة و الحيوية و صفاء الذهن و الحرية و القدرة الابداعية و الأهم من ذلك .. الاهتمام بالمستقبل.. كما يقول محمد فؤاد:" ساعات بأشتاق لإحساسي ان بكرة بعيد".. إن هذا الاحساس لا يشعر به الا شخص لا يشعر ان بكرة بعيد.. بل هو يعيش هذا الـ" بكرة" .. فمن يعيش بعد الستين مثلاً لا يرى امامه أي غد ..القطار يكاد يصل لمحطته الاخيرة .. فقط هو يدرك هذا و لكنه لا يعرف تحديداً متى يصل القطار لآخر محطة .. و لكنها على كل الاحوال قد اقتربت.. الوقت لا يكفي لفعل اي شئ قبل الوصل للمحطة الأخيرة.. و إن كفى فهو يكفي لأشياء بسيطة قليلة

و في الحقيقة ليست المشكلة في ان يزيد المرء في العمر.. و من يعتبرها مشكلة فهو إنسان ساذج مع احترامي له .. إن المشكلة ليست في التقدم في السن في حد ذاتها فهو أمر لا محالة سيحدث.. و لكن المشكلة الحقيقية هي ألا يعيش الانسان كل مراحل عمره كما ينبغي ان يعيشها .. يمرح و يتعلم جيداً في طفولته ومراهقته .. و يعمل و يجتهد و يبدع ويحقق اشباعه النفسي و العاطفي في شبابه و يسقر في كهولته و يرتاح في شيخوخته ..

إن أي تخبط في تلك التوقيتات يؤدي بالضرورة إلى هذا الشعور بالحزن على العمر الذي راح.. فقد لا يتعلم الانسان في طفولته.. ثم عندما يكبر يتحسر على العمر الذي راح بدون تعلم .. حيث ان التعلم في الكبر اصبح اصعب و مليء بالمشاكل و التحديات عكس التعليم في الطفولة

و ايضا قد لا يلعب في طفولته و لا يحظى بالرفاهية و المرح.. فحين يكبر و ينخرط في الحياة العملية يشعر بالندم على العمر الذي كان كله شقاء و لم تعد هناك فرصة للرخاء في الدنيا

و قد لا يستطيع الانسان مثلا ان يرتبط عاطفيا او يتزوج إلا في سن متقدم للغاية .. و حينها ايضا قد يشعر بالندم على اشياء كثيرة

إن الحل الحقيقي لعدم الشعور بأن سنوات العمر تضيع هدراً هو ألا يؤخر الانسان منا أي مرحلة من مراحل العمر لما بعد أوانها .. حينها فقط سيشعر الانسان ان لكل عمر مميزات و سيتعامل مع تقدمه في السن بشئ من الرضا النفسي

أما عني أنا ... فما شاء الله .. ربع قرن كامل عشته على هذا الكوكب البائس على بقعة من أكثر بقاع الكوكب بؤساً..

لا أظن أني حققت هذا التوزيع للعمر حتى الآن .. و إن كانت امامي الفرصة .. إلا أنني لسبب ما أشعر أنها تتطاير ..

كل ما أتمناه لنفسي في تلك المرحلة العمرية هي أن احقق في شبابي ما يجب على الانسان ان يحققه في شبابه .. حتى ولو كان الحد الادنى من المطلوب تحقيقه .. فأنا أرى نفسي لا أكاد أخطو حتى ربع خطوة تجاه الحد الأدنى .. و أخشى ان يضيع العمر..

و على غرار اللمبي .. فأنا أنصح كل شاب و كل فتاة أن يستغل كل مرحلة كما يجب أن تُستغل.. حتى لا ينظر لروحة فجأة في المرآة و يجد نفسه كبر فجأة فيتعب من المفاجأة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق