السبت، 14 مايو 2011

ظاهرة التضخم .. الأسباب و النتائج


( كتبت هذا المقال في26/3/2010)

الصورة البديهية في ذهن الكثيرين عن التضخم هو أنه عبارة عن انخفاض حاد في قيمة العملة .. فتصبح السلع اسعارها جنونية و غير واقعية .. و تخرج علينا عملات فئة ألف و ربما مليون ( كما حدث لليرة التركية القديمة) ..
و على الرغم من أن كل تلك المظاهر حقيقية .. إلا أن الأمر أخطر من تلك الصورة التي يتندر بها البعض في مجالسهم.. فيقول فلان أن الموظف في دولة كذا بليونير .. و أن الطفل هناك يأخذ مصروف بالآلاف.. و إلى آخر تلك الدعابات..
التضخم مشكلة إقتصادية خطيرة.. إن لم تكن الأخطر و الأكثر تأثيرا في الكثير من النواحي.. و قبل أن أوضح خطورة التضخم أود أن أوضح تعريفه و أسبابه حتى يستطيع القارئ أن يكون في الصورة..

التضخم ببساطة هو الأرتفاع المستمر و المتتالي و الشامل في أسعار السلع و الخدمات في المجتمع.. هذا التعريف يخبرنا بشروط التضخم.. فلكي نقول أن في مكان ما تضخم.. يجب أن تكون الاسعار مرتفعة .. و بأستمرار و شاملة غالبية السلع و الخدمات..
فلو فرضنا مثلا أن دولة ما حدث فيها ارتفاع في سعر نوع معين من السلع دون الأنواع الأخرى .. فذلك ليس تضخماً بالمرة .. و كذلك الحال إن حدث ارتفاع شامل في الأسعار.. و لكن لفترة زمنية قصيرة ثم استقرت الاسعار .. هذا أيضا ليس تضخماً..
فلو أردنا أن نقول أن هناك تضخم حدث يجب أن يكون بالشروط السالف ذكرها ..
و لكن .. ما هو السر الحقيقي الذي يجعل الأسعار ترتفع.. و بأستمرار.. و بشكل شامل؟!
أسباب المشكلة التضخمية كثيرة .. و يمكن سردها في صورة نقاط.. إلا أنني أرى أنه من الأفضل توضيح آراء علمية لبعض المدارس الاقتصادية..ففي الواقع إن أي ظاهرة أو مشكلة اقتصادية غالبا ما سيكون لها أكثر من تفسير... و كل مدرسة فكرية اقتصادية ستفسر الظاهرة حسب معطياتها الفكرية المكتسبة من بيئتها السياسية و فترتها الزمنية ..
فهناك مثلا مدرسة اقتصادية شهيرة تسمى المدرسة الكلاسيكية كانت فترتها منذ نهايات القرن الثامن عشر حتى بدايات القرن العشرين .. و هي مدرسة اقتصادية شهيرة و من روادها " آدم سميث" العالم الاقتصادي الشهير.. تلك المدرسة مثلا ترجع سبب التضخم باختصار إلى زيادة عرض النقود في السوق.. فهم يرون ان كمية النقود تتناسب طردياً مع المستوى العام للأسعار.. فكلما زادت الكمية كلما زادت الأسعار..
إلا انها في الواقع صورة بدائية و غير عميقة.. و هو ما ستتأكد منه حين تعرف آراء العالم الاقتصادي كينز (1883-1946) ..
فسر كينز ظاهرة التضخم بصورة أكثر دقة من الكلاسيك.. فباختصار هو يرى أن زيادة كمية النقود في السوق ليست هي السبب الرئيسي في حدوث أرتفاع في الاسعار و بالتالي حدوث التضخم لاحقاً... بل بأرتفاع الطلب على السلع و الخدمات بأكثر من المعروض منها هو السبب الحقيقي .. و برهن على ذلك بأختصاركما يلي:
- لو فرضنا أن كمية النقود المتداولة في السوق زادت بمقدار معين... هذا لن يؤدي مباشرة إلى ارتفاع الاسعار.. فالمنتج سيقوم بمحاولة لزيادة الانتاج من خلال زيادة العمالة لديه و العمل لساعات أطول و هكذا..
- عند مرحلة معينة لن يستطيع المنتج أن يلاحق الطلب من جانب المستهلكين على سلعته.. هذا لأنه قد وصل لحالة التوظف الكامل.. حيث أستخدم كل الموارد المتاحة لديه للانتاج.. و لن يستطيع أن ينتج فعلياً بأكثر مما أنتج.. و بالمثل باقي المنتجين.. و هو ما سيؤدي لأن يكون المعروض في السوق من سلع و خدمات غير كاف .. و من ثم يرتفع المستوى العام للأسعار بشكل متتالي و شامل.. ثم يحدث التضخم
بالطبع هناك العديد من النظريات التي تفسر الظاهرة التضخمية .. و لكن من وجهة نظري المتواضعة تعتبر النظرية الكنزية الأكثر واقعية..



التضخم المكبوت:

و في الحقيقة لن ترى دائماً التضخم واضحاً جلياً لك .. فليس شرطاً أن تجد عملات من فئة الألف و المليون كي
تقول أن هناك تضخم.. التضخم له عدة أنواع و أشكال... و من أشهر الأنواع هو التضخم المكبوت.. و هو بصورة عامة عبارة عن أن تقوم الدولة بفرض تسعيرة جبرية على السلع و الخدمات .. بحيث تجعل سعر السلعة غير واقعي و لا يعبر عن حالة السوق.. حتى لو نقص انتاج سلعة ما .. لن تجد ما يقابله بالضرورة من أرتفاع في السعر.. ستظل الاسعار الجبرية كما هي.. و هو ما سيخلق المشاهد المعتادة من طواربير بالعشرات ( و ربما مئات) .. في سبيل الحصول على السلع ..و هو بالطبع ما سيؤدي إلى وجود ظاهرة السوق السوداء بالطبع... و بالتبعية سيؤدي إلى أن تصبح كثير من المنتجات رديئة الصنع لا تصلح للاستهلاك الآدمي (أزمة رغيف الخبز كنموذج!)


آثار التضخم:

أما عن آثار التضخم فهي كثيرة و متعددة .. الأثر الأكبر و الأشهر هو أرتفاع الأسعار و تأثيره على محدودي الدخل .. خاصة و أن المرتبات لا ترتفع أبداً بنفس سرعة أرتفاع الأسعار.. لأن المرتبات تحكمها تشريعات و قوانين .. و هي لا تتغير في يوم و ليلة .. بل تحتاج للمزيد و المزيد من الوقت فلو زاد مستوى الأسعار على سبيل المثال بنسبة 40% فإن المرتبات بعد فترة ربما تزيد . .. و لكن بنسبة 10% أو ربما 5%

و لكن التضخم له آثار أقتصادية و أجتماعية أخرى أكثر من هذا..
فبداية ً.. يؤدي التضخم إلى إعادة توزيع الثروة في المجتمع .. فيزداد الغني غنى و يزداد الفقير فقراً.. فأرتفاع الاسعار يجعل هناك حالة من تراكم الثروة لدى أرباب العمل .. ليس هذا فحسب .. بل إن مقتنياتهم ستصبح أكثر قيمة.. فمن يملك بنايات أو أراضي سيتضاعف ثمنها ..
أما الفقير فلأنه لا دخل له سوى الراتب أو الأجر اليومي فسيزداد فقراً.. لأنه أولا لن تزيد المرتبات بنفس النسبة .. كما أنه عادة لا يملك أي مقتنيات يستفيد على اساسها من أرتفاع الاسعار

و على مستوى الدولة يؤثر التضخم على ميزان المدفوعات .. فكما وضحت أن التضخم نشأ بسبب انخفاض السلع المعروضة .. و هو ما سيؤدي لزيادة الواردات بالطبع لملاحقة الطلب...
كما أن الصادرات ستتجه إلى الانخفاض .. نظراً لأن التضخم سيؤدي إلى أرتفاع أسعار المواد الانتاجية .. مما سيفقد السلع التي تنتجها الدولة ميزة تنافسية هامة و هي السعر..

و التضخم يؤدي أيضاً إلى سوء استغلال موارد الدولة .. فعند حدوث ارتفاع في الأسعار.. يتجه المنتجون لأنتاج السلع ذات السعر المرتفع و التي عادة ما يهتم بها الأغنياء .. و ستهمل القوى الانتاجية السلع الضرورية لمحدودي الدخل.. و ستجد الكثير من محاولات لتخزين السلع و العملات الأجنبية ..

و من المعروف لنا أن المدخرات الشخصية للأفراد في البنوك هي احد المصادر الهامة لتمويل الاستثمار.. فالمبلغ الذي يدخره الشخص العادي في البنك مثلاً يذهب للمستثمر ليقيم به المشروعات و تزداد بذلك كمية العرض و تقل نسبة البطالة.. التضخم يقلل بصورة كبيرة من قدرة محدودي الدخل على الادخار..حيث يصبح الموظف راتبه لا يكفي متطلباته الاساسية ... فكيف يدخر ؟!
و بالطبع هذا سيؤدي بالتبعية للإلتجاء للتمويل الخارجي .. و ما يصحبه من مشاكل العملات الأجنبية

و من كل ما سبق نستطيع بكل بساطة ان نستنتج الاثر الاجتماعي للتضخم.. سيؤثر التضخم بالطبع على السلام الاجتماعي في المجتمع .. و يخلق حالة من الغضب لدى الطبقات الفقيرة تجاه الطبقات الغنية .. و ستنتشر الرشوة و الغش و الفساد..و ستظهر فئات من الاستغلاليين و المنتفعين ... و ما إلى ذلك من آثار لا تحتاج لتفنيد و شرح..


-----------------------------------------------------------------


مصادر المعلومات في المقال:
- عدد من مواقع الانترنت
- كتاب التحليل الاقتصادي الكلي 2004 ( كلية التجارة - جامعة عين شمس)
- اجتهادات شخصية !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق