السبت، 21 مايو 2011

العشرين جنيه بتاعتي


كان المسجد خاوياً بعد الفراغ من صلاة الجمعة إلا من قلة متفرقة في أنحاء المسجد.. منهم من يصلي و منهم من يمسك مصحفاً يقرأ فيه ... بينما كان إمام المسجد .. ..جالس بجوار المنبر ترى شفتاه تتحرك بدون صوت.. و عيناه تدور في جنبات المسجد دون هدف حقيقي ...

و في منتصف ساحة المسجد تقريباً يجلس شاب يبدو في منتصف العقد الثاني من عمره .. يجلس حائراً و على وجهه علامات التوتر.. لا يفعل شيئاً محدد... و لكنك تراه من حين لآخر ينظر للإمام بترقب..

فجأة قام هذا الشاب من مكانه و أتجه نحو الشيخ .. وجلس بجواره على الأرض و قال:

- السلام عليكم يا شيخ

- و عليكم السلام يابني !

- فيه مشكلة حصلت النهاردة في المسجد و مفيش حد هيحلها غيرك يا شيخ.

- خير؟!

- الموضوع يا شيخ أني اليوم قررت أن أتبرع بمبلغ مالي في صندوق المسجد.. و كان معي 21 جنيه .. ورقة بجنيه .. وأخرى بعشرين جنيه

- بارك الله فيك يا ولدي.. و ليه قلت لي .. دي صدقة و لازم تفضل في السر

- ياشيخ مش دي المشكلة .. المشكلة إني كنت قد نويت ان أضع جنيه في الصندوق.. إلا أنني وضعت بالغلط العشرين جنيهاً..

- مش فاهم .. وضح لي أكتر

- في الحقيقة كنت على باب المسجد بألبس الشبشب .. و كنت أنوي بعد ارتداء الشبشب أن أخرج الجنيه من جيب قميصي و أحطه في الصندوق.. إلا إني لمحت أمام المسجد واحد صاحبي كنت أريده في أمر هام.. فأخرجت الورقة أم عشرين جنيه بالغلط بسرعة من جيبي ووضعتها في الصندوق من غير ما أبص... و ما عرفتش إني حطيت الورقة الغلط غير لما طلعت الفلوس عشان أشتري حاجة

ابتسم الشيخ للشاب بهدوء و قال:

- و هي دي مشكلة ؟!.. حصل خير يا بني... سيضاعف الله لك باذن الله الأجر عشرين ضعفاً عن الأجر الذي كنت ستأخذه لو وضعت الجنيه...

بدا على وجه الشاب علامات الارتباك و الخجل حين رد على الشيخ قائلاً:

- و الله يا شيخ الحقيقة أن هي دي المشكلة .. أنا جاي لحضرتك عشان أسترد الـ 20 جنيه بتوعي..

نظر الشيخ له بدهشة و قال:

- ليه كده يابني.. حد يرجع عن صدقة دفعها لوجه الله ؟

- في الحقيقة يا شيخ أنا في ضائقة مالية.. انا تقريبا مفلس و فضيلتك تعرف أننا في آخر الشهر.. و تقريبا العشرين جنيه هي اللي معايا لآخر الشهر.. يا دوب هأصرف منها الاسبوع ده لحد ما أقبض اول الاسبوع اللي جاي ان شاء الله

- ماجاوبتش عن سؤالي.. إزاي يطاوعك قلبك تاخد فلوس طلعتها لله ..

- ما انا قلت لك يا شيخ .. ضائق مالية .. ثم أنا يا شيخ كنت ناوي أطلع جنيه مش عشرين .. فأنا عاوز أصحح النية

- لا تعرف تصحيح النية على مزاجك .. تصحيح النية معناه مراجعة الانسان لنواياه تجاه الأفعال التي يقوم بها في الدنيا .. و جعل النية دائماً لله .. اللي انت بتعمله دلوقتي ده رجوع عن الخير مش تصحيح للنية .. و إن كنت يا بني عاوز تصحح نيتك بجد .. يبقى تنوي انك تخرج العشرين جنيه كلها لله .. هو ده تصحيح النية مش تاخد الفلوس تاني

- طيب و أنا أعمل ايه دلوقتي؟.. أعيش باقي الشهر منين؟

- أنت متجوز؟

- لأ.. لسة والله يا شيخ .. الحالة تعبانة زي ما أنت عارف ..

- وعايش فين.. لوحدك و لا مع أهلك..

- و عايش مع أهلي ... هو أنا أقدر اعيش لوحدي؟ ده انا اموت من الجوع

- يعني عايش مع أهلك و معندكش مسئولية ... طيب ما تستلف من أبوك لحد آخر الشهر يابني و سيب العشرين جنيه لوجه الله .. و ربنا يكرمك ان شاء الله بنيتك الصالحة

- و نعم بالله .. بس ياشيخ العشرين جنيه اللي أنت بتتكلم عنها دي أنا أصلا سالفها من أبويا لحد آخر الشهر .. يادوب مصاريف مواصلات للشغل لحد آخر الأسبوع ده .. و بصراحة كده أنا بأشعر بالعار لما بأستلف من أبويا فلوس.. أبويا موظف محدود الدخل .. مرتبه يا دوب بيكفي البيت و اخواتي.. و انا بدل ما أخفف عنه و أساعده .. بأزود عليه العبء.. فعشان كده بصراحة مش هأقدر أروح أقوله هات فلوس تاني

- لا .. روح انت بس و قوله .. قوله انك حطيتها في الجامع .. و انا واثق إنه هيفرح بيك و هيديك فلوس تاني.. أصل الأبـ..

قاطعه الشاب بحدة - على غير المعتاد منذ بداية الحوار- قائلا:

- ياشيخ انت ليه مش راضي تفهمني.. بأقولك ابويا راجل على قد حاله .. و لسة واخد منه فلوس.. ثم أنا مش شايف انه حرام اني آخد الفلوس تاني.. دي فلوسي و أنا حر فيها ..ثم أنا أصلا غلبان و تجوز عليا الصدقة .. يعني المفروض آخد فوق العشرين جنيه دي عشرين تانية من صندوق المسجد كصدقة

ألتفتت القلة الموجودة بالمسجد لهما في فضول محاولة أن تعرف سر هذا الصوت المرتفع نسبياً

قال له الشيخ بغضب – و إن كانت نبره صوته هادئة- :

- تأدب يا ولد و أنت بتتكلم معايا .. أنت هنا في المسجد و بتكلم عالم

- آسف .. بس أنا نفسي تحس بيا يا شيخنا.. و تديني العشرين جنيه .. حتى على سبيل الصدقة

- آسف.. ما أقدرش

- متقدرش ليه .. هي الفلوس اتصرفت و لا إيه ؟

- لا .. ما أقدرش لأن إيه اللي يضمني إنك فعلا دفعت العشرين جنيه فعلا في الصندوق.. لازم تجيب لي ضمان

- انت بتكدبني و لا إيه يا شيخ ؟

- يابني المؤمن كيس فطن.. انا لا أكذبك و في نفس الوقت لا أصدقك بشكل أعمى .. لازم دليل قوي

نظر الشاب له بذهول بصوت مرتفع نسبيا:

- يعني إيه .. فلوسي راحت عليا؟؟

و بينما الشاب يتكلم توجه نحوهما رجل مسن من المتابعين للحوار في صمت و قال في نبرة فضول:

- خير يابني ايه المشكلة .. ايه يا مولانا الحكاية؟

هم الشاب بالكلام .. إلا أن الشيخ فوت عليه الفرصة و بادر هو بالحكي قائلاً:

- المشكلة يا سيدي إن الشاب ده كان عاوز يطلع جنيه صدقة لله .. قام غلط و حط عشرين جنيه بدل الجنيه .. و قال إيه عاوز ياخد فلوسه تاني

قال العجوز بلهجة استنكار مبالغ فيها :

- ايه ده .. أعوذ بالله .. الدنيا مبقاش فيها خير

قال الشاب بصوت عال غاضب :

- اعوذ بالله ايه يا عم الحاج؟.. هو أنا شيطان... يا حاج أنا مش معايا غير العشرين جنيه دي لآخر الشهر .. و أنا شرحت كل حاجة للشيخ .. شرحت له ان ظروفي صعبة و محتاج العشرين جنيه دي ضروري..

نظر العجوز للشيخ قائلاً:

- و ايه رأي مولانا في الموضوع ده

رد الشيخ قائلا:

- و الله أنا قلت له هات لي دليل انك دفعت عشرين جنيه ... يعني يرضيك يا سيدي الفاضل إن أي حد يجينا من بره يقول انا حاطط مبلغ معين من المال نروح نعطيه من غير ما نتأكد؟

- لا طبعا ازاي .. ايه دليلك يا واد انت على انك حطيت عشرين جنيه ..

- الشاب: و انا اجيب دليل منين .. أقولكم حاجة ؟.. هاتوا عامل المسجد يمكن يفتكر شكلي

قال الشيخ بنفاد صبر:

- حاضر يا سيدي هنادي لك عليه ..

و توجه بصوته ناحية حجرة الإمام حيث يجلس عرفة قائلا:" يا عرفة .. يا عرفة .. تعالى عاوزك"

يأتي عرفة للجمع و يخاطب الشيخ واقفا:

- خير يا مولانا ...

- انت فاكر الولد ده .. شفته النهاردة بيحط فلوس في الصندوق؟

يقول له الشاب مستعطفاً:

- ركز و النبي يا عرفة .. ركز أبوس إيدك .. و حياة ابوك يا شيخ.. فاكرنـ..

يقاطعه الشيخ غاضباً:

- اعوذ بالله .. ايه الشرك اللي انت بتقوله ده ... و النبي ؟.. و حياة ابوك ؟.. قول لا اله الا الله يا ولد

- لا اله الا الله .. استغفر الله العظيم .. بالله عليك يا عم عرفة ركز.. فاكرني؟؟؟

ينظر له عرفة بضجر و يقول :

- يا عم افتكر مين صلي على النبي... انا مخي مش دفتر .. طبعا مش فاكرك..

- يعني ايه .. خلاص كده .. مفيش عشرين جنيه ...و أنا اعمل ايه طيب؟؟

يقول العجوز بلهجة سخط:

- ايه يابني اللي انت فيه ده ... انت للدرجة دي بتحب الفلوس... ده جيل ما يعلم بيه الا ربنا ..

و يتبعه الشيخ قائلا:

- خلاص يابني روح لحال سبيلك .. مقدرش اديك اي حاجة ... ولو كنت فعلا دفعت عشرين جنيه يبقى صحح نيتك و ادعي ربنا يتقبلها منك بدل ما تروح عليك دنيا و آخرة

يقوم الشيخ من جلسته و يتجه لحجرته قائلا: " سلام عليكم "

يدخل الحجرة و يتبعه عرفة و ينصرف العجوز للركن الذي كان جالساً فيه يقرأ القرآن..

يجلس الشاب وحيداً بجوار المنبر و على وجهه علامات الحيرة و السخط....

بعد دقيقتين يجد الشيخ خارجاً من حجرته متجهاً صوب باب المسجد .. و قبل أن يخرج من الباب يتجه ناحيته مسرعاً و هو ينادي:

- يا شيخ .. طلب أخير بس

- طلب ايه بس .. مش قلنا خلاص الموضوع ده ..

- بس حلمك عليا .. يا شيخ أنا طالب صدقة .. طالب عشرين جنيه صدقة من اموال المسجد ... مش أنا فقير غلبان و تجوز عليا الصدقة ؟

- الصدقات للمساكين اللي لا حول لهم و لا قوة .. و أنت عندك أبوك يصرف عليك.. حتى لو كان على قد حاله .. انما على الاقل انت ضامن لقمتك و بيتك .. فيه أرامل و يتامى محتاجين الفلوس و حالتهم أغلب من الغلب.. حس بقى بالنعمة اللي انت فيها و أشكر ربنا ..

- بس يا شيخ..

- مفيش بس... و أرجوك لا تعطلني ..

يخرج الشيخ من باب المسجد ... و يعود الشاب ليأخذ شبشبه من داخل المسجد حيث وضعه وينصرف .. و قبل أن ينصرف يلمح أمامه صندوق الصدقة ... ينظر يميناً و يساراً حوله .. ثم ينظر للصندوق طويلاً قبل أن يخرج من جيبه الورقة فئة الجنيه.. يطبقها و يضعها في الصندوق و هو يقول:" حسبي الله و نعم الوكيل"

( تمت)

السبت، 14 مايو 2011

ظاهرة التضخم .. الأسباب و النتائج


( كتبت هذا المقال في26/3/2010)

الصورة البديهية في ذهن الكثيرين عن التضخم هو أنه عبارة عن انخفاض حاد في قيمة العملة .. فتصبح السلع اسعارها جنونية و غير واقعية .. و تخرج علينا عملات فئة ألف و ربما مليون ( كما حدث لليرة التركية القديمة) ..
و على الرغم من أن كل تلك المظاهر حقيقية .. إلا أن الأمر أخطر من تلك الصورة التي يتندر بها البعض في مجالسهم.. فيقول فلان أن الموظف في دولة كذا بليونير .. و أن الطفل هناك يأخذ مصروف بالآلاف.. و إلى آخر تلك الدعابات..
التضخم مشكلة إقتصادية خطيرة.. إن لم تكن الأخطر و الأكثر تأثيرا في الكثير من النواحي.. و قبل أن أوضح خطورة التضخم أود أن أوضح تعريفه و أسبابه حتى يستطيع القارئ أن يكون في الصورة..

التضخم ببساطة هو الأرتفاع المستمر و المتتالي و الشامل في أسعار السلع و الخدمات في المجتمع.. هذا التعريف يخبرنا بشروط التضخم.. فلكي نقول أن في مكان ما تضخم.. يجب أن تكون الاسعار مرتفعة .. و بأستمرار و شاملة غالبية السلع و الخدمات..
فلو فرضنا مثلا أن دولة ما حدث فيها ارتفاع في سعر نوع معين من السلع دون الأنواع الأخرى .. فذلك ليس تضخماً بالمرة .. و كذلك الحال إن حدث ارتفاع شامل في الأسعار.. و لكن لفترة زمنية قصيرة ثم استقرت الاسعار .. هذا أيضا ليس تضخماً..
فلو أردنا أن نقول أن هناك تضخم حدث يجب أن يكون بالشروط السالف ذكرها ..
و لكن .. ما هو السر الحقيقي الذي يجعل الأسعار ترتفع.. و بأستمرار.. و بشكل شامل؟!
أسباب المشكلة التضخمية كثيرة .. و يمكن سردها في صورة نقاط.. إلا أنني أرى أنه من الأفضل توضيح آراء علمية لبعض المدارس الاقتصادية..ففي الواقع إن أي ظاهرة أو مشكلة اقتصادية غالبا ما سيكون لها أكثر من تفسير... و كل مدرسة فكرية اقتصادية ستفسر الظاهرة حسب معطياتها الفكرية المكتسبة من بيئتها السياسية و فترتها الزمنية ..
فهناك مثلا مدرسة اقتصادية شهيرة تسمى المدرسة الكلاسيكية كانت فترتها منذ نهايات القرن الثامن عشر حتى بدايات القرن العشرين .. و هي مدرسة اقتصادية شهيرة و من روادها " آدم سميث" العالم الاقتصادي الشهير.. تلك المدرسة مثلا ترجع سبب التضخم باختصار إلى زيادة عرض النقود في السوق.. فهم يرون ان كمية النقود تتناسب طردياً مع المستوى العام للأسعار.. فكلما زادت الكمية كلما زادت الأسعار..
إلا انها في الواقع صورة بدائية و غير عميقة.. و هو ما ستتأكد منه حين تعرف آراء العالم الاقتصادي كينز (1883-1946) ..
فسر كينز ظاهرة التضخم بصورة أكثر دقة من الكلاسيك.. فباختصار هو يرى أن زيادة كمية النقود في السوق ليست هي السبب الرئيسي في حدوث أرتفاع في الاسعار و بالتالي حدوث التضخم لاحقاً... بل بأرتفاع الطلب على السلع و الخدمات بأكثر من المعروض منها هو السبب الحقيقي .. و برهن على ذلك بأختصاركما يلي:
- لو فرضنا أن كمية النقود المتداولة في السوق زادت بمقدار معين... هذا لن يؤدي مباشرة إلى ارتفاع الاسعار.. فالمنتج سيقوم بمحاولة لزيادة الانتاج من خلال زيادة العمالة لديه و العمل لساعات أطول و هكذا..
- عند مرحلة معينة لن يستطيع المنتج أن يلاحق الطلب من جانب المستهلكين على سلعته.. هذا لأنه قد وصل لحالة التوظف الكامل.. حيث أستخدم كل الموارد المتاحة لديه للانتاج.. و لن يستطيع أن ينتج فعلياً بأكثر مما أنتج.. و بالمثل باقي المنتجين.. و هو ما سيؤدي لأن يكون المعروض في السوق من سلع و خدمات غير كاف .. و من ثم يرتفع المستوى العام للأسعار بشكل متتالي و شامل.. ثم يحدث التضخم
بالطبع هناك العديد من النظريات التي تفسر الظاهرة التضخمية .. و لكن من وجهة نظري المتواضعة تعتبر النظرية الكنزية الأكثر واقعية..



التضخم المكبوت:

و في الحقيقة لن ترى دائماً التضخم واضحاً جلياً لك .. فليس شرطاً أن تجد عملات من فئة الألف و المليون كي
تقول أن هناك تضخم.. التضخم له عدة أنواع و أشكال... و من أشهر الأنواع هو التضخم المكبوت.. و هو بصورة عامة عبارة عن أن تقوم الدولة بفرض تسعيرة جبرية على السلع و الخدمات .. بحيث تجعل سعر السلعة غير واقعي و لا يعبر عن حالة السوق.. حتى لو نقص انتاج سلعة ما .. لن تجد ما يقابله بالضرورة من أرتفاع في السعر.. ستظل الاسعار الجبرية كما هي.. و هو ما سيخلق المشاهد المعتادة من طواربير بالعشرات ( و ربما مئات) .. في سبيل الحصول على السلع ..و هو بالطبع ما سيؤدي إلى وجود ظاهرة السوق السوداء بالطبع... و بالتبعية سيؤدي إلى أن تصبح كثير من المنتجات رديئة الصنع لا تصلح للاستهلاك الآدمي (أزمة رغيف الخبز كنموذج!)


آثار التضخم:

أما عن آثار التضخم فهي كثيرة و متعددة .. الأثر الأكبر و الأشهر هو أرتفاع الأسعار و تأثيره على محدودي الدخل .. خاصة و أن المرتبات لا ترتفع أبداً بنفس سرعة أرتفاع الأسعار.. لأن المرتبات تحكمها تشريعات و قوانين .. و هي لا تتغير في يوم و ليلة .. بل تحتاج للمزيد و المزيد من الوقت فلو زاد مستوى الأسعار على سبيل المثال بنسبة 40% فإن المرتبات بعد فترة ربما تزيد . .. و لكن بنسبة 10% أو ربما 5%

و لكن التضخم له آثار أقتصادية و أجتماعية أخرى أكثر من هذا..
فبداية ً.. يؤدي التضخم إلى إعادة توزيع الثروة في المجتمع .. فيزداد الغني غنى و يزداد الفقير فقراً.. فأرتفاع الاسعار يجعل هناك حالة من تراكم الثروة لدى أرباب العمل .. ليس هذا فحسب .. بل إن مقتنياتهم ستصبح أكثر قيمة.. فمن يملك بنايات أو أراضي سيتضاعف ثمنها ..
أما الفقير فلأنه لا دخل له سوى الراتب أو الأجر اليومي فسيزداد فقراً.. لأنه أولا لن تزيد المرتبات بنفس النسبة .. كما أنه عادة لا يملك أي مقتنيات يستفيد على اساسها من أرتفاع الاسعار

و على مستوى الدولة يؤثر التضخم على ميزان المدفوعات .. فكما وضحت أن التضخم نشأ بسبب انخفاض السلع المعروضة .. و هو ما سيؤدي لزيادة الواردات بالطبع لملاحقة الطلب...
كما أن الصادرات ستتجه إلى الانخفاض .. نظراً لأن التضخم سيؤدي إلى أرتفاع أسعار المواد الانتاجية .. مما سيفقد السلع التي تنتجها الدولة ميزة تنافسية هامة و هي السعر..

و التضخم يؤدي أيضاً إلى سوء استغلال موارد الدولة .. فعند حدوث ارتفاع في الأسعار.. يتجه المنتجون لأنتاج السلع ذات السعر المرتفع و التي عادة ما يهتم بها الأغنياء .. و ستهمل القوى الانتاجية السلع الضرورية لمحدودي الدخل.. و ستجد الكثير من محاولات لتخزين السلع و العملات الأجنبية ..

و من المعروف لنا أن المدخرات الشخصية للأفراد في البنوك هي احد المصادر الهامة لتمويل الاستثمار.. فالمبلغ الذي يدخره الشخص العادي في البنك مثلاً يذهب للمستثمر ليقيم به المشروعات و تزداد بذلك كمية العرض و تقل نسبة البطالة.. التضخم يقلل بصورة كبيرة من قدرة محدودي الدخل على الادخار..حيث يصبح الموظف راتبه لا يكفي متطلباته الاساسية ... فكيف يدخر ؟!
و بالطبع هذا سيؤدي بالتبعية للإلتجاء للتمويل الخارجي .. و ما يصحبه من مشاكل العملات الأجنبية

و من كل ما سبق نستطيع بكل بساطة ان نستنتج الاثر الاجتماعي للتضخم.. سيؤثر التضخم بالطبع على السلام الاجتماعي في المجتمع .. و يخلق حالة من الغضب لدى الطبقات الفقيرة تجاه الطبقات الغنية .. و ستنتشر الرشوة و الغش و الفساد..و ستظهر فئات من الاستغلاليين و المنتفعين ... و ما إلى ذلك من آثار لا تحتاج لتفنيد و شرح..


-----------------------------------------------------------------


مصادر المعلومات في المقال:
- عدد من مواقع الانترنت
- كتاب التحليل الاقتصادي الكلي 2004 ( كلية التجارة - جامعة عين شمس)
- اجتهادات شخصية !

الأربعاء، 11 مايو 2011

رسالة قد لا تصل

عزيزتي اللي في بالي/

.. تلك الرسالة من العسير جداً أن تصل إليك .. لأنني أكتبها في دفتري الخاص جداً.. و لكن ربما تصل اليك .. فأنا لا أؤمن بالمستحيل .. ربما في يوم ما أموت فتُنشر تلك الاوراق في كتاب فتقرأينه .. ربما تضيع الورقة و تصل لك بمعجزة ما!

ربما وقتها تصلك .. و لكن ربما أيضا لا تدركين أنها مني.. و أنها تخصك أنت لا أحد آخر..

في الحقيقة لا أعرف ما الدافع لكتابة تلك الرسالة سوى أنني اليوم أشعر بالفراغ و بالوحدة و لا أجد شخصاً عاقلاً أتكلم معه .. فأفترضت أنك متواجدة معي ووجهت لك كلامي

كيف حالك؟.. مثلك لا يُخاف عليه .. بل أنا من يجب القلق عليه .. إن مثلك من النساء لنوعية تكاد تنقرض.. واحد في المليون .. لم أر في حياتي مثل تلك الشخصية إلا قليلات للغاية .. ربما أنت لست جميلة أو مثيرة بشكل كبير.. و لكن العجيب أن من يعرفك و يعرف عقلك و طريقة تفكيرك لا بد أن يحبك.. سواء حب رجل لامرأة أو حب أخوي.. أو حتى اعجاب بسيط..

تماما كما كنت أنا .. أعترف أني قمت بحركة غبية حين أحببتك . و لهذا السبب .. .. و بفضل تلك الحركة الغبية ابتعدت عنك و لم أستطع أن استمتع بصحبتك كما يستمتع آخرون ..

ليتني لم اقل لك أني أحبك

في الحقيقة وقت أن قلتها لم أكن أشعر أني غبي .. بل كنت أشعر أني في قمة الذكاء !!!

هذا لأن خيالي صور لي أنك تبادليني نفس الشعور.. لحسن معاملتك لي .. و لتلطفك و تبسطك معي.. و لكن في الحقيقة كان هذا غباء مني.. كنت أغبى الأغبياء و قتها .. و لا أجد حرجاً في الاعتراف بتلك الحقيقة

أكتشفت أن هذا التبسط و عدم التكلف في المعاملة هو اسلوبك مع الكل تقريباً.. أنت انسانة متبسطة مع كل من تعرفين..

لو كنت اكتشفت تلك الحقيقة قبل ان اعلن حبي لك لما اعلنته .. و لكن .. ماذا اقول؟..

***************

***************

ينتابني الفضول يا عزيزتي لأن أعرف من سعيد الحظ هذا الذي سيظفر بك ؟!

ترى ما شكله ؟ و ما هيئته ؟

اني أعلم أنك رفضت كثيرين ... و عندما اطلعت على نوعية هؤلاء المرفوضين أمثالي... وجدتهم اشخاص ممتازين .. مقارنة بي طبعاً... و حين عرفت بالصدفة ماهيتهم .. سخرت من نفسي أكثر و تعجبت من جرأتي الفجائية .. و أنا لست هذا الجريء..

لا بد أن الشخص الذي ستبادلينه الحب هو شخص من نوع خاص .. ربما هو مثلي و مثل الآخرين .. ولكنه بلا شك محظوظ لأنه نال استحسانك .. و هذا هو الحب.. بلا قواعد

عموماً أنا حالياً لا احبك ... و لا أكرهك ايضا

لا أحبك حب الرجل للمرأة .. و لست حتى افتقدك .. و كل ما أنا حزين من أجله هو أنني ضيعت على نفسي فرصة أن أكون صديقاً مقرباً منك .. أستفيد منك و أتبادل معك الأحاديث و الآراء.. كم أفتقد شخصية مثلك في حياتي .. حتى الرجال من اصدقائي لم أجد منهم نموذجاً يعادلك

و إني لأعجب أني لم أتألم كثيراً من رفضك لي.. نعم تألمت فترة .. ولكنها كانت وجيزة للغاية .. مع أني ظننت أني سأعيش في ندم و حسرة على تلك الفرصة الفائتة .. و لكن و لله الحمد نسيت بأسرع مما أتخيل أنا .. رغم اني حتى الآن لم أرتبط عاطفياً بفتاة أخرى

و لا أجد لهذا سبباً إلا أنني أدركت و اقتنعت أن الارتباط بيننا كان مستحيلاً..

فكيف يحكم الله عليك بمثلي؟

ليس هذا انتقاص مني.. فأنا و الحمد لله لست سيء.. بل أعتقد أنه كان من الممكن أن يكون ارتباطنا نموذجياً .. إلا أنني في الحقيقة لا أتخيل أنك في يوم من الايام كنت ستشعرين نحوي بعاطفة قوية .. تلك ليست طبيعتك .. ربما تحترميني .. و تقدريني.. و لكنك ابداً لن تحبيني كما أريد من امرأتي أن تحبني.. لذا عندما راجعت نفسي و أدركت تلك الحقيقة نسيت أمر حبك فوراً..

أعترف أني فكرت أكثر من مرة أن أذهب اليك و أعرض عليك حبي من جديد عسى أن يكون شيئاً ما قد تغير فيك .. و لكن احمد الله على أني لم أفعل..

و ان شاء الله لن افعل.. لأنك لن تتغيري الآن .. و الدليل على هذا أنك أغلقت في وجهي أي وسيلة استطيع بها الوصول اليك ..

في نهاية الخطاب أحب ان اوضح أني سعيد أن وجدت نموذج مثلك للمرأة .. بعد أن كنت فقد أحترامي لكثير من النساء..

و أوضح ايضا اني حزين أني لم تتح لي الفرصة لأن أعرفك ... و لا أعتقد أنها متاحة .. من يدري ماذا تخبئ الأيام

و شكراً

.....................

25/10/2010

الجمعة، 6 مايو 2011

قراءة في إعلان قصب سكر قبل الثورة !


الإعلان الموضوع صورته أعلاه تم نشره في جريدة الاهرام يوم 21 يناير 2011 أي قبل أنطلاق أحداث الثورة بثلاثة أيام...
إعلان يناشد فيه مزارعي القصة ( حسبما هو منشور) فتحي سرور و جمال مبارك و صفوت الشريف و احمد عز و بطرس غالي و رشيد محمد رشيد و أحمد نظيف و آخرون للمطالبة برفع سعر القصب...

الطريف في هذا الاعلان انه كل من في الاعلان تم حبسهم بعد الثورة .. لم يسعني حين وقعت عيناي على ذلك الاعلان الا ان اضحك من أعماق قلبي و أقول" سبحان الله مغير الأحوال"

المتأمل للإعلان سيستخلص أشياءً هامة ....
1- الإعلان يجسد طبيعة النظام السابق و علاقته بالشعب.. هكذا كان الحال قبل الثورة ... لا أعتقد أنه لو كانت هناك في الدولة مؤسسات حقيقية لكان اصحاب هذا الاعلان قاموا به ... و إلا فما يجعلك تسأل "احمد عز" و جمال مبارك.. و صفوت الشريف و فتحي سرور.. مطالبا برفع سعر القصب!!! على أي اساس لهؤلاء علاقة بالقصب!!! .. بل أني أشك أصلا أن الاعلان كان لرفع سعر القصب.. لأن مساحة الاسماء اكبر بكثير من مساحة الطلب المنشور.. و الاشخاص نفسهم ليست لهم علاقة مباشرة بينهم و بين بعضهم...
لو لاحظت جيداً ستجد أن الاعلان مذيل باسم " عبد الرحيم الغول" .. و للأمانة لم أكن أعرفه قبل هذا الاعلان .. و لكني حين بحثت عن اسمه على النت وجدت ما لذ و طاب و أتضح أنه مشهور أكثر مما أنا أتخيل...
بداية من تقرير نشر في جريدة الدستور و البشاير يتهمه بأنه من المتورطين في اشعال الاحداث في قنا ( طالع هنا) و ( هنا ايضا)
مروراً بتصريحات غير محترمة و لا تصدر من نائب محترم ( طالع هنا )
هذا غير اتهامات بالجمله له على أنه من مشعلي الفتن الطائفية ..
و بعد كل المعلومات التي جمعتها عنه بدأت أشعر ان الإعلان ليس له علاقة لا بالقصب و لا بالسكر... بل هو تقريبا بمثابة إعلان للشخص صاحب الاعلان

2- يمثل الاعلان يمثل عبرة وعظة لكل انسان يعتمد على الاشخاص .... بعد ثلاثة أيام فقط من الاعلان اصبح كل هؤلاء المُناشدين بالخدمة في السجن... بل وأصبحت معرفتهم في حد ذاتها تهمة .. و لكي تتأكد من كلامي السابق طالع (هذا الفيديو) لـ " عبد الرحيم الغول" ناشر هذا الاعلان و هو يوضح ان أحمد عز (الذي ناشده في الاعلان) كان يكرهه و اضهده و .. و ... وينكر بشدة علاقته بالحزب الوطني و أنه لا يحبه و لا يحترمه!!!


لا يسعني بعد قراءة الاعلان و التأمل فيما وراء الاسماء و الحقائق المنشورة فيه إلا أن أحمد الله و أن يحمد الله كذلك كل شخص لم يضع أمله و لو للحظة في أي انسان...
و مرة أخرى .. سبحان الله مغير الأحوال