الأحد، 24 أبريل 2011

هل أحب كل المصريين الثورة؟


هناك قصة شهيرة عن شخص اول مرة يزور مصر... و عندما عاد لأهله سألوه عن صفات الشعب المصري فقال فيما معناه : " لو رحت استاد تظن ان كل الشعب بيحب كرة القدم .. و لو دخلت مسجد تظن ان كل الناس مؤمنة و بتصلي.. لو دخلت كباريه تفتكر الناس كلها فاسدة .. و لو اتفرجت على قنوات الأغاني تفتكر ان البلد كلها بايظة .. و لو اتفرجت على القنوات الدينية تفتكر ان دي بلد علماء الدين و المشايخ و طلاب العلم "

و هذه الحكاية لها مدلول واحد فقط .. يتم تلخيصه في عبارة واحدة من كلمتين :" إحنا كتير" ...

هذه العبارة هي الوصف الدقيق للمتعجب من حال مصر... نحن شعب قوامه اكثر من 85 مليون مواطن ..

و إنطلاقا من تلك القاعدة التي ذكرتها سابقاً كان هذا هو حال الشعب المصري أثناء الثورة ....

قبل أي شئ علينا أن نعترف أن الثورة الشعبية للأسف ليست لها شعبية عن البعض.. و هو عدد لا يستهان به من الشعب المصري... علينا أن ندرك حقيقة هذا الأمر.... كما أن هؤلاء الذين لا يحبون الثورة ليس كلهم ( فلول ) حزب وطني.. او عملاء النظام السابق .. و ليسوا فلول امن دولة و لا فلول اي شئ في الدنيا ...

كما أننا يجب أن ندرك الحقيقة المؤسفة و هي أن أعداد هؤلاء الذين لم يحبوا الثورة ليست قليلة .. و حتى ان كانت اعداد الثوار أكبر منهم .. إلا أن اعدادهم ليست قليلة بالمرة

و لكي أكون اكثر دقه أحب أن أوضح كيفية نظر الشعب المصري للثورة من خلال مشاهداتي للأجواء من حولي...

من خلال متابعتي المتواضعة ( و الغير علمية ) لما يحدث.. أرى ان رؤية الشعب للثورة تنقسم الى أربع فئات و هم كالتالي:

1- الفئة الأولى من الشعب و هي تلك التي شاركت في الثورة سواء بالنزول للمظاهرات أو حتى بالمتابعة المترقبة لها و توحدهم وجدانياً مع من نزل للمظاهرات... و ليست تلك الفئة تحتاج مني ان اتكلم عنها لأنها اصلا هي محور الكلام كله في الاعلام بكل انواعه ..

2- الفئة الثانية هي فئة لم تشارك في الثورة بالمظاهرات أو حتى بالتأييد و التعاطف عن بعد... أثناء الثورة لم يكن شغلها الشاغل أي شئ سوى مشاغل الحياة التي ترتبت على الثورة مثل الفزع من نقص الغذاء و مشكلة الامن.. و كانت الثورة لهم مثلها مثل الاحداث اليومية التي يشاهدونها في البرامج المسائية .. و هذه الفئة يختلف حبها و كرهها للثورة من حيث تأثيرها الشخصي عليها.. فلو حدثت مشكلة في عمل احدهم بسبب الاحداث الاخيرة اصبح كاره للثورة ... و لو عادت عليه بالنفع في عمله اصبحاً عاشقاً لها ..

3-الفئة الثالثة هي فئة تكره الثورة من اليوم الأول وتتخذ منها موقف عدائي حاد ... ... و ليست كلها لها اسباب مشتركة لكره الثورة .. بل تتنوع الأسباب.. و أنواع الأسباب تقربيبا لن يخرج عن احد هذه الاسباب:

فئة اولى تتكون ممن يرى اسباب دينية لكره الثورة مثل ان الخروج على الحاكم حرام ( و هي فئة لازالت موجودة رغم كل ما حدث)

و فئة اخرى عاطفية ترى في الرئيس الأب و تتحدث عن كبر السن و الأصول و .. و ..

و فئة ثالثة ( و هي الأقل) مكونة من المنتفعين من النظام السابق و هي تعرف جيداً أن انهيار النظام يمثل تقريبا النهاية لها ..

و فئة رابعة .. و هي تلك التي ترى في الثورة مؤامرة شريرة و فساد مطلق ... و هي متأثرة بما قيل في وسائل الإعلام الحكومية سواء تلفزيون او جرائد .. و أيضا من الاشاعات التي روجها انصار النظام السابق حول الثوار...

4- الفئة الرابعة وهي" المتحولون" Transformers و هي فئة كانت مؤيدة للنظام السابق و تظهر عشقها الشديد له .. و بعدما سقط قامت بتأييد الثورة و أظهرت نفس العشق الشديد للنظام السابق بنفس الادوات المستفزة المنافقة .. و هي فئة تعشق مصلحتها .. و تختلف عن الفئة الثانية في أن الفئة الثانية لا تحب الثورة او تكرهها الا اذا تحققت من الثورة مصلحة تعود عليهم .. اما فئة المتحولون فهم يبحثون عن تحقيق مصلحة من الثورة عن طريق اظهار حبهم لها .. أظن ان الفرق واضح
و تلك الفئة عادة ما ستكون عبارة عن فلول النظام السابق التي تسعى بشدة ان تدخل ضمن النظام الحالي ..

*************
************

و من واقع هذا التصنيف فإننا أمام فئة واحدة فقط قامت بالثورة .. امام ثلاث فئات لم يقفا مع الثورة ...

و لا تتعجب إن إكتشفت أن اعداد الفئات الاخرى كثيرة .. ربما تكون أكثر من فئة الثورة و ربما لا .. و لكن مما لا شك فيه ان هناك اعداد كثيرة تكره الثورة .. أعداد معتبرة و ليست هينة .. و لكن .. قد يتسائل الشخص منا... مادام هؤلاء لم يحبوا الثورة فكيف نجحت الثورة ؟؟!!!

الفرق الوحيد الملوس بين الفئة الأولى و بقية الفئات الأخرى هو " الفاعلية "

فالفئة الاولى المحبة للثورة كانت فئة مؤمنة بحبها لهذه الثورة ... و بذلت كل ما لديها لكي تنجح تلك الثورة ... ووصلت التضحيات لأقصى درجاتها من تضحية بالدماء و الاصابة بعاهات في سبيل إنجاح الثورة

أما الفئات الأخرى فهي يجمعها شئ واحد فقط.. أنهم ليست لديهم فكرة يؤمنوا بها .. و بالتالي يقومون من اجل الفكرة بالقيام بعمل ما لينجها ... فالفاعلية لا يمكن أن تأتي إلا بوجود شئ تؤمن به يجعلك فعالاً و ايجابيا مستعداً لبذل أي جهد من اجل الفكرة ..

الايجابية و الفاعلية مرحلة تأت بعد الايمان بالفكرة

فلو نظرنا لأسباب عدم فاعلية الفئات الاخرى و قدرتها على ان يصبح لها صوت مسموع قادر على ان ينافس صوت الثورة سنجد التالي:

1- الفئة الثانية و التي قلنا عنها انها لا يشغلها في الحياة سوى انفسهم و مشاغل حياتهم العادية و ليس عنده اي تصور لأي شئ آخر في الحياة سوى محيطه القريب منه ... و من وجهة نظري هي تعتبر الفئة الأكبر من هؤلاء الذين لم يؤيدوا الثورة

تلك الفئة لا تتوقع منها أن يكون لها من الأساس رأي!... إن آراء فئات كتلك لا تتعدى نقاشات المقاهي و المواصلات العامة .. و عادة ما ستجد تلك الآراء عديمة القيمة لا تخرج منها بشئ .. آراء تشكك من اهمية كل شئ و اي شئ .... " ايه لازمة الثورة؟" .. " ايه لازمة الريس؟" ... " ايه لازمة الاحتجاج"... الخ الخ .. لا يوجد شئ له " لازمة " عندهم و كل شئ " ملوش لازمة و تضييع وقت" ..

و ليس غريبا ان يقولوا هذا فكل شئ بالفعل ليس له لازمة .. لأنه لا يمسهم شخصياً... رغم ان الثورة من اجل محاربة الفساد و الظلم الواقع على كثير منهم .. إلا أن تلك الفئة عادة ما ستجدها مكونة من السذج و قليلوا الثقافة .. و ليست الثقافة التي اقصدها هي ثقافة القراءة و الاطلاع.. بل هناك قدر طبيعي من المعرفة و الوعي لو وُجد عند شخص ما لأدرك به الكثير من الحقائق .. و لكن حتى هذا القدر للأسف غير موجود عند هؤلاء... حتى لو كان متعلماً.. بل و حتى لو كان تعليمه جامعي و متخرج من كلية معتبرة ... و هذا الاخير يدخل تحت مسمى "أمية المتعلمين"

فئة كهذه تضحي فقط من اجل مصلحة شخصية .. قد تجد الشخص منهم ثائراً عظيما لا يشق له غبار... و لكن في مقر عمله حين يتم اصابته بأذى شخصي في العمل ..

قد تكتشف تلك الفئة بعد فترة انها كانت مخطئة و ان الثورة مفيدة لهم شخصياً.. و لكن هذا للأسف سيأتي بعد مرحلة متأخرة جداً بعد أن تبدأ الثورة في طرح ثمارها بل لن يشغل باله اصلا بان يربط بين ثمار الثورة و الثورة .. سيأكل من ثمارها و كفى !!

و سبب تكون تلك الفئة في وجهة نظري هي تنامي ظاهرة الفردية في ظل النظام السابق... فمنذ عهد الفراعنة تقريبا و حتى الآن .. لم يوجه الحاكم للمواطن طلباً بأن يكون مشاركاً في اي شئ.. و لم يحثه حتى على التعاون بينه و بين زميله المواطن الآخر.. لأنهم كانوا يخشون هذا التجمع فكان المنهج هو اغراق المواطن في مشاكله الخاصة ... لا شك ان كثيرين من الناس فاقوا من تلك المشكلة الا ان هناك الكثير لم يفيق منها و بالتالي ظل على حالته كما هو

2- اما الفئة الثالثة التي تكره الثورة من اليوم الأول ... فهي ايضا لاتوجد لديها فكرة تؤمن بها ..

فمن كره الثورة لأنه يظن انها حرام .. و هؤلاء الذين كرهوها لظنهم انها ثورة " عملاء و اجندات خارجية".. هم للأسف فئات ساذجة صغيرة العقل..

و سذاجتها و صغر عقلها هذا لا يسمح لها بأن تفكر حتى في سبيل لمقاومة هذا الذي يقولون عليه ... لذا فكل ما كان يفعلونه هو انهم يصبون اللعنات اللفظية على الثوار و على الثورة .. و لا بأس من حين لآخر يمدحون مبارك و نظامه ..و " كله كلام و بس"

أما هؤلاء العاطفيين الذين أحبوا مبارك.... فهم قلة قليلة للغاية .. و حبهم لمبارك ليس حباً حقيقياً.. هو فقط مجرد تعاطف مع شخص وحالة ... و أكبر دليل على هذا هو أنهم لم يستميتوا في الدفاع عن " مبارك".. الأمر بالنسبة لهم كان مجرد مشاهدة فيلم تراجيدي... و هناك منهم من نزل لميدان مصطفى محمود اثناء الثورة و لكن كلكم تعرفون كم كانت اعدادهم قليلة

اما عن هؤلاء المستفيدين من النظام السابق.. فبالطبع هم قلة قليلة .. و يعجبني قول أحد الاشخاص حين قال أن المشكلة الحقيقية في نظام مبارك انه قلص تماما من طبقة المنتفعين و قصرها على عصابة صغيرة من الافراد و أصبح الشعب كله غير مستفيد من هذا النظام و كرهه الاغنياء غير المستفيدين و الفقراء معاً... لذا فهؤلاء لم يكونوا من القوة العددية ليستطيعوا فعل شئ .. و إن كانوا حاولوا بالكثير من الطرق الغير مشروعة مستخدمين قدرتهم المادية و النفوذ لإفشال الثورة مثل موقعة الجمال الشهيرة و الاشاعات الإعلامية التي نعرفها جميعاً


و لا شك ان كثير من ابناء الثورة كانوا من تلك الفئات السابقة .. و لكن ما ميزهم أنهم جائتهم ما يسمى " لحظة هداية الى الحق"... لحظة ادركوا فيها الحقيقة .. أدركوا ما كانوا عليه .. و أدركوا ما يجب عليهم فعله .. و لهذا خرجوا من تلك التصنيفات السلبية و نالوا شرف الثورة..

*************
*************
و من وجهة نظري ان كثرة تلك الفئات وتنوع المواقف تجاه الثورة سببه الرئيسي يرجع لأمرين .. أولهما شدة الجهل الذي يقع فيه الكثير من ابناء هذه البلد.. و ليس الجهل يقتصر على القراءة و الكتابة و لا حتى على التعليم العالي... اننا نعاني من أمية المتعلمين التي هي من أهم انجازات النظام السابق.. فكم من انسان متعلم ووصل لمراحل علمية متقدمة و حين تسأله عن الثورة لا يعرف ما هي و ما اسبابها و من الصواب و من الخطأ.. بل و يفتخر بجهله...

أما الثاني فهو تنامي ظاهرة الفردية و أختفاء معنى الوطن داخل الانسان المصري... و كما ذكرت سابقاً الانسان في مصر في ظل النظام السابق لا يرى فرصة لأن يشارك باي شئ في الدولة .. و يتم تشجيعه من قبل الحكومة على أن يترك تلك الامور للحكومة و يلتفت هو لنفسه .. سواء بالترهيب و المنع من المشاركة السياسية او بتسطيح العقل او بفردية اتخاذ القرارات دون ادنى اعتبار للشعب

و تلك النقطتين من وجهة نظري هم التحدي الحقيقي لكي يساند الشعب تلك الثورة ... الفردية .. و الجهل

لأننا دخلنا في مرحلة بناء تحتاج منا كل يد و كل عقل في هذا الشعب..و لسنا في مرحلة الثورة التي تحتاج فقط كم كبير من المؤيدين الفعّالين القادرين على الضغط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق