الأربعاء، 27 أبريل 2011

التحليل السياسي في الشوارع و المواصلات !

الذي دفعني لكتابة هذا المقال هو حوار يدور الآن لحظة الكتابة بين ثلاثة اشخاص ( لا أراهم و لكني اسمع صوتهم من حجرة مجاورة ).. حول مستقبل مصر السياسي... الحوار للأمانة به الكثير من المفردات و الاستنتاجات المضحكة.. فبين الثلاثة سيدة بسيطة التعليم كما يبدو من اسلوب كلامها.. تلقب السلفيين بـ " السلايفة"!! .. و رجل آخر يحكي عن خوفه من الاخوان المسلمين لأنهم سيقيموا الشريعة و سيصدروا قوانين تحرم السياحة في مصر.. و يمنعوا دخول السائحين!!!.. في حين أن السيدة تدافع عنهم لأنها تحب الاسلام و تريد الحكم بالشريعة..

و أذكر من يومين سابقين حوار دار في الاتوبيس و انا في طريقي للبيت حول المرشح القادم لرئاسة مصر.. فقال أحد الركاب لزميله :" عارف برنامج البرادعي الانتخابي ايه؟.. اباحة الشذوذ الجنسي.. "....

و هناك الكثير من المشاهد و الحوارات التي لا تسعفني الصفحات لذكرها..

تلك الحوارات بالنسبة لي و بالنسبة للجميع أصبحت أمراً معتاداً .. بل و أصبح الطبق الرئيسي على مائدة النقاشات هو في السياسة و الشأن العام و الاستثناء هو الكلام في الامور الاخرى .. كما أنه من الملاحظ أن الناس في المواصلات أصبح من السهل ان يكلم بعضهم الآخر في الشئون العامة أكثر من ذي قبل.. فما إن تأتي سيرة موضوع ما خاص بالشأن العام إلا و تجد فجأة كل الركاب أو معظمهم يحاور بعضهم الآخر و كأنهم اصدقاء...

حتى اننا اصبحنا نشبه بشكل كبير الأجواء التي سادت قصة الكاتب الساخر/ أحمد رجب " فوزية البرجوازية ".. حين اصبح العامة يتداولون مصطلحات مثل " امبريالية " " شيوعية " وبرجوازية و ..و.. بشكل يومي حتى حين شراء البطيخ!!!

ووجه التعجب هنا يعود للتحول المفاجئ في أجواء الشارع المصري

فكنا قد أعتدنا أن الكلام في السياسة بشكل مستفيض و ( حر) حبيس جلسات المثقفين و المدونات و الفيس بوك و التعليقات في المواقع الاخبارية .. و لطالما كانت شخصية الذي يتكلم في السياسة دوماً مادة خصبة للسخرية في الافلام و البرامج الفكاهية و في نقاشات التافهين .. و عادة ما يلقب بألفاظ مثل " الواد الثورجي" .. و احيانا " الشيوعي" أو " الاخوانجي" ..

أو يتم وصفه بأنه " فاضي مش لاقي حاجة يعملها" .. و بدلاً من أن " يشوف له شغلانة يكسب منها عيش".. يتكلم في السياسة ..( هذا على اساس ان الكلام في السياسة يتطلب منك الا تعمل ) .. أو هو " غاوي وجع قلب و مش عاوز يريح دماغه"

لا شك أن الأمور السياسية كانت تُناقش من قبل العامة من حين لآخر ..و لكن الكلام فيها كان بشكل خاطف بشكل سطحي للغاية على سبيل التسلية ليس الا..

و لأن الكلام شهوة .. فإن الانسان المصري ما قبل الثورة ( ق .ث ) كان يتحدث في اي شأن آخر ليفرغ شهوته تلك.. في مشاكله الخاصة .. في كرة القدم .. و بالذات تلك الأخيرة .. لا أنسى أن الكثيرين ( و أنا منهم في طفولتي ) كانوا يشترون الجرائد من أجل صفحة الرياضة .. و كانت هي اول و اهم صفحة .. و كانت مبيعات الجرائد ترتفع بصورة رهيبة بعد المباريات المهمة التي يفوز فيها المنتخب او الاهلي!!.. و تفسير هذا بالطبع أن اخبار الرياضة هي الوحيدة المتجددة دوماً.. عكس أخبار السياسة !

***************
***************

و لا شك ان هذا التحول المفاجئ يؤكد لنا أن المصريين لم يكونوا بالفطرة سلبيين .. و لكن تلك السلبية كانت بفعل فاعل... و كان للفاعل ( و هو النظام السابق) عدة اساليب معاونة لنشر السلبية في المجتمع وكانت اشهر تلك الاساليب هي على ما أظن ما يلي:

1- لا شك ان اقوى الوسائل كان الجهاز الامني متمثلاً في امن الدولة .. و هو من جعل كثير من العامة يخشى حتى الكلام في المواصلات او حتى في الشارع.... و ربما لا يضع امن الدولة مخبرين في المواصلات .. و لا يخصص مخبر لكل شخصين يسيران في الشارع و لكنه كان يتبع مبدأ.. " أضرب المربوط يخاف السايب".. فكل مواطن لا شك انه يعرف شخص من هنا او هناك قد أُعتقل في امن الدولة لسبب أو لآخر... و كل المواطنين يرون العقوبات التي تطول الصحفيين و المذيعين الذين عارضوا النظام بشكل حقيقي .. النظام السابق ربما لم يكن يراقب 80 مليون مواطن .. و لكنه كان يبث الرعب فيهم كلهم بالعدد الذي يراقبه ( و إن لم يكن عدداً قليلاً..

2- كما أن النظام السابق عمل على تشجيع الفكر القائل بأن كل ما نحن فيه هو بسبب أن الشعب فاسد و يرتكب المعاصي و الآثام و الكبائر.... و أن الإصلاح يأتي من القاع لا من القمة .. فعليك بأن تبدأ بنفسك ثم بمن حولك و .. و .. الخ...

و تم بلورة هذا الفكر في صورة دينية .. وكان هذا الفكر هو الفكر الديني ( الرسمي) للدولة .. تبنته مؤسسات الدولة الدينية الرسمية كالأزهر.. و تم السماح لمن خارج تلك المؤسسة ان يتكلم في الدين على شرط واحد هو ألا يخرج عن تلك القاعدة .. و لم يكن أحد يجرؤ على الظهور في أي مسجد بشكل رسمي أو على التلفزيون ويقول كلام يعارض تلك القاعدة

و أنهارت تلك النظرية انيهار تام بعد الثورة .. بل و العجيب أن كثير ممن كان يتبنى تلك النظرية دينياً ( و دون ذكر اسماء )أصبح يعلن حبه للثورة و تأييده للإصلاح من الأعلى .. و ظهرت فجأة الآيات و الأحاديث التي تتحدث عن اصلاح الحاكم و الحكم و كأن الأرض انشقت عن تلك الحقائق

3- عدم ادراك المواطن لحقيقة ان الكلام في الشأن العام و الاهتمام به يتعلق بمصلحته الشخصية مباشرةً...لا شك ان المواطن كان يعرف جيداً أن البلد فيها من الفساد ما فيها .. و لا شك أنه كان مدرك ان العقبة الوحيدة لنهضة مصر و تحقيق الرخاء هو هذا النظام الحاكم...و إلا فكيف قام بثورة؟!!!

و لكن المشكلة الحقيقية هو أنه كان يعيش حالة من الغيبوبة التي دخل فيها بفعل فاعل... غيبوبة جعلته لا يدرك علاقة السياسة بحياته الشخصية .. و المتسبب الحقيقي في تلك المشكلة هي وسائل الاعلام الرسمية ( سواء عامة أو خاصة)

فرغم كل الحريات الاعلامية المزعومة في عهد الرئيس مبارك .. إلا أن صحفيا كان أو مذيعاً لم يكن ليجرؤ أن يهاجم رأس النظام مباشرةً .. نعم .. بين حين و آخر خرج شخص هنا و هناك يهاجم رأس النظام .. و لكنه كان يتم التعتيم عليه فوراً و إقصائه من الساحة الاعلامية الرسمية ( سواء قطاع عام أو خاص ).. و حتى هذا الذي قد يقول رأياً ما به كثير من الجرأة و الصراحة.. كان رأيه بالنسبة للدولة بمثابة ( أي كلام) .. حتى ان الصحفي احيانا قد يكشف واقعة فساد بمستندات على صفحات الجريدة دون ان يحدث شيئاً!

مما أعطى شعور للمواطن أن الكلام في السياسة و الشأن العام ليس له أي لزوم بالمرة .. فإذا كانت الصحافة الموضوعة في الدستور كسلطة رابعة .. ليست لها أي سلطة!!... فكيف يكون هناك أي أهمية لكلام المواطن العادي؟!!... لذا فإن الاسم الحقيقي للحرية المزعومة في عهد مبارك هي حرية الكلام و ليس حرية الرأي..

كما عمل النظام على نشر هؤلاء المعارضين المستأنسين ... المعارض الذي يمسك العصا من المنتصف .. فلا هو يوالي الحكومة .. و لا هو يعارضها .. و حين يتطرف فهو ينتقد وزير.. و حين يصبح مناضلاً ثورياً فهو يسب رئيس الوزراء... أما الرئيس .. فهو دائما إما موصوف بالأب و البطل و القائد و .. و ... .. أو هو مسكوت عنه تماماً.. و كأنه ليس يعيش بيننا و ليس له أي علاقة بالمشاكل الدائرة في المجتمع.. و دوما تنتشر الاستغاثات التي تطالب الرئيس بالتدخل لإنقاذ الناس هنا و هناك !! .. و عادة حين يطرح هذا النوع من الكتاب المشكلة .. فهو يعرضها كمشكلة دون تحليل الاسباب الحقيقية .. فيقول مثلا " إننا نعاني من مشكلة .. مشكلة خطيرة و عويصة و مستحيلة .. كيف نحلها؟" هكذا فقط دون ذكر اشخاص او قرارات او احداث او.. او.. ودوما المشاكل محل الذكر هي المشاكل الفرعية وليست الجوهرية .

كل هذا و أكثر شوه أمام الكثير من العامة الاسباب الحقيقية لفساد الدولة .. هل النظام فاسد ام لا؟.. و لو كان فاسداً.. أي جزء فيه هو الفاسد؟.. و لماذا هذا الجزء بالتحديد هو الفاسد؟.. و كيف يمكن ازالته؟ و ما هي عواقب ازالة هذا النظام الفاسد..

كل ماسبق جعل المواطن المصري في حيرة من أمره .. ماذا يفعل حيال هذا الوطن.. فما كان منه إلا أن أنكفأ على نفسه تاركاً البلد للنظام يفعل بها ما يشاء.. و تنامت ظاهرة الفردية في المجتمع لغياب الهدف الواحد و عدم وجود مبرر يدفع المواطن للتعاون مع الآخرين سواء مؤسسات او افراد... و هو ما ظهر في الاحتجاجات الفئوية بعد الثورة ..

************************************

************************************

على الرغم من أن بعض ( إن لم يكن الكثير)من الحوارات في الشارع المصري تتسم الكثير منها بالسذاجة و عدم الموضوعية .. إلا أنني متفائل بالخير و منتظراً له بإذن الله في المستقبل .. فتلك علامة على أن الانسان المصري الذي كان مغيباً أدرك حقيقة أن هذا الوطن ملكه و أنه يجب أن يتكلم عن أحواله تماماً كما يتكلم عن أحواله الشخصية .. إن لم يكن أكثر .. ففي كلتا الحالتين هو يتكلم عن احواله الشخصية.


أحمد علاء
27/4/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق