الأربعاء، 16 مارس 2011

ماذا سنفعل بعد الاستفتاء؟

للمرة الأولى في التاريخ المصري الحديث و ربما منذ فجر التاريخ المصري .. يختلف الشعب اختلافاً حقيقياً على قضية مصيرية .. و لأول مرة كذلك يكون له حق الاختيار و تكون بيده مفاتيح الأمور .. و القضية بالطبع هي التصويت بـ" نعم" أو " لا" على التعديلات الدستورية المقترحة في الاستفتاء الذي سيجري يوم السبت 19/3/2011

لا أذكر خلافا حقيقياً رأيته في حياتي او سمعت عنه في التاريخ كهذا الخلاف.. بل لا أذكر ان هناك خلافا كان موجود في يوم من الايام على قضية تتعلق بمصير الدولة

لا اقول انني على الحياد و هذا الكلام الدبلوماسي من عينة اننا يجب ان نحب بعضنا و ان نحترم الآخر .. انا للأمانة أرى في كل قرار مساوئ و مميزات .. و ان كنت اميل لرأي معين اكثر من الثاني لأني اراه الأقل ضرراً

و لكن للأمانة كل ما يعنيني ليس نتيجة الاستفتاء بقدر ما يعنيني السؤال الذي يقول :" ماذا بعد الاستفتاء؟"

كيف سنتعامل مع نتيجته و هل سيقبلها كل الاطراف اياً كانت أم لا؟

ان اطرف ما في تلك الثورة هو ان كلمة خائن او عميل او حتى " مش فاهم " او " مغيب" تقال لكل الاطراف بلا استثناء.. من نزل المظاهرات و من جلس في البيت و من كان عضواً في حزب ما او حركة احتجاجية .. و من يؤيد فلان و من يعيش في دولة اجنبية و من يعيش في الوطن!!!

ذلك كان الوضع في ذروة الاحداث في الثورة .. و انتقل بالضرورة للآراء حول التعديلات الدستورية المقترحة .. فمن ناحية " نعم " .. فبعض انصار " نعم" يرى ان هناك الكثير من " العلمانيين" في جانب " لا " لا يريدون للاخوان او اي قوى اسلامية ان تنجح في الانتخابات .. كما يرى البعض الاخر ان معارضة بعض القوى السياسية ل"نعم" ليس لخوف على شئ اكثر من كونهم غير مستعدين للانتخابات .. او هم ربما يخافون من الوطني زيادة على اللازم و بالتالي هم جبناء .. كما انهم يرون ( و انا معهم في هذا ) ان جانب " لا" .. يقولها دون ان يضع خطة منطقية سليمة بلا ثغرات و تكون مقنعة لكافة الاطياف.. و هناك اتهام لهم ايضا بأن قرار لا سيجعل المجلس العسكري يطيل مدة بقاؤه في الحكم و ربما يحدث مثلما حدث مع عبد الناصر عام 1954 .. حين خرج الناس في مظاهرات تقول " تسقط الديمقراطية "!!!!

أما جانب " لا" فيتهم جانب "نعم " أنه من دعاة الاستقرار!!!!!!!!!!!!

و هي كلمة اصبحت معناها عند البعض " الغباء و الرضى بالأمر الواقع و السذاجة " .. لا شك ان الاستقرار امر يتمناه الجيمع و لكن الاستخدام المبالغ فيه من قبل حسني مبارك و نظامه جعل منها كلمة نابية قبيحة تنتمي للعهد البائد .. هي و كلمة " نعم " التي لم نسمع غيرها طوال حياتنا و تاريخنا.. هذا ايضا احد اسباب الاندفاع وراء كلمة " لا" .. لأن لها بريق خاص و جاذبية .. خصوصا بعد الثورة

و ليست تهمتي " الاستقرار" و " كلمة نعم" .. هي كل الاتهامات لأنصار " نعم" .. و لكن ايضا هناك تخوف من جانب " لا" بألا يتم عمل دستور جديد .. و أن ينقلب الرئيس القادم على الثورة و يتحول لدكتاتور جديد .. او الا يصبح مجلس الشعب القادم ممثلا حقيقياً للشعب المصري و بالتالي لا يخرج لنا دستوراً معبراً عن الثورة و اهدافها..

كل تلك الاتهامات في الجانبين بعضها فعلاً حقيقي و بعهضا ليس كذلك .. ما يعنيني الآن هو أن اقول اننا لم نعد على قلب رجل واحد بعد اقالة حكومة شفيق و حل امن الدولة .. لقد انتهت كل الاهداف المشتركة و التي لا يختلف عليها اثنين و بدأنا مرحلة وجهات النظر .. و الأهداف التي تتحقق بأكثر من طريقة .. مما ينبئ بالضرورة ان ردود الفعل بعد ظهور نتيجة الاستفتاء القادم قد تحدث نوع من انواع الشقاق و الانقسام في الشارع المصري ..

و في الحقيقة ان رد الفعل بعد الاستفتاء القادم سيكون معيار و مقياس حقيقي لمدى نضج الشارع و درجة تقبل القوى السياسية للرأي الآخر

ان الخطر الحقيقي امام الثورة هو هذا الانقسام .. و الذي بدأت بوادره تلوح لنا في الأفق و اكبر مثال على هذا هو ظهور بعض الدعوات لنزول التحرير يوم الجمعة 18 مارس لقول " لا " للتعديلات .. على الرغم من أن التحرير قبل ذلك كان يحوي كل اطياف الشعب و كنا لا نسمع الا صوتا واحداً

و يؤسفني ان اتهم بعض عناصر جانب" لا " انهم يريدون ان يثبتوا انهم الثوريين الحقيقيين الباقون على العهد و لم يبيعوا الثورة .. و هم بذلك اكثر تطرفا من جانب " نعم" ... فللأمانة جانب نعم لم اره يتهم جانب لا أتهاماً كهذا و لم يخرجوهم من الثورة .. و العجيب ان كل الجانبين يريد دستور جديد .. و لم يختلف احد على هذا و لكن المشكلة الحقيقية في التوقيت ..

اننا في كلتا النتيجتين نحتاج لتضافر الجهود سويا للعبور بالثورة لبر الأمان..

ففي حالة نعم سيتوجب علينا ان نخوض معركة مع فلول النظام السابق و المتمثل في الحزب الوطني و ستكون ساحة المعركة هي الانتخابات التشريعية بالاساس .. و من يدري ؟ ربما الرئاسية .. و كل هذا في ظل بقاء الحزب الوطني و عدم حله .. تحتاج الانتخابات القادمة في حالة " نعم " لتنسيق بين كافة القوى و الحركات و الجماعات .. و اخشى ما اخشاه ان يحدث الشقاق بعد الاستفتاء و صراعات جانبية تنسينا الثورة و تنسينا العدو الاساسي لها ...

وفي حالة ان كانت النتيجة " لا" .. فإن المشكلة ستكون كبيرة ايضاً.. و تحتاج لتوافق اكبر .. لأننا حينها سنفتح مجالات محتملة لصراعات كثيرة .. اكبرها الدستور و شكله الجديد ولجنته التأسيسية و طريقة تكوينها و اعضاؤها و قضية بقاء الجيش من عدمه و مدة الفترة الانتقالية .. و موضوع المجلس الرئاسي المقترح و من سيعينه و على اي اساس .. كل تلك القضايا ان لم يحدث فيها نوع من انواع التوافق مثل ذلك الذي كان في ذروة الثورة .. فإننا سنطيل مدة عدم الاستقرار .. و ارجو الا يعتبر البعض كلمة الاستقرار كلمة نابية .. فنحن رفضنا الاستقرار الذي يأتي من نظام مبارك بكل عناصره..

و لكن من العجيب و الشاذ ألا نسعى لأستقرار ..خصوصا ان الوضع جد متدهور .. و لا يحتمل التأجيل و نحتاج للأمانة في تلك اللحظة لبناء نظام .. لن نتنازل ابداً عن ان يكون نظاماً قائما على شرعية الشعب .. و لكننا ايضا لن نتنازل عن ان يتم البناء سريعاً لاحتواء تلك الازمة الاقتصادية و الاجتماعية التي على وشك الانفجار ان لم تكن قد انفجرت بالفعل..

يجب على القوى السياسية و كل افراد الشعب ان تتقبل نتيجة الاستفتاء ايا كانت .. و العمل بعد النتيجة بشكل موحد و بهدف واحد تماما كما كان ايام الثورة الاولى .. و ان كنت للأمانة غير متفائل ان يحدث هذا في ظل ما أره الآن من اتهامات متبادلة من بعض العناصر في الجانبين .. و اتمنى ان تكون تلك الاتهامات و بوادر الفرقة ظواهرشكلية لا علاقة لها بالحقيقة .. و الا فإننا سندخل في دوامة لا أعرف في الحقيقة كيف سنخرج منها و الى الى اي مكان ستأخذنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق