الثلاثاء، 29 مارس 2011

قراءة لحياة " أرسكين كالدويل" الذي اصبح روائياً


ان كتاب بعنوان " كيف اصبحت روائيا؟" يستحق أن يلفت انتباهي – اتحدث عن نفسي- .. فأنا من أكثر الناس رغبة في معرفة هذا السؤال :" كيف تصبح روائيا.. او كيف تصبح كاتباً بصفة عامة ؟" .. و لأن السؤال بصيغة الماضي فقد اثار انتباهي و فضولي أكثر و أكثر .. فبلا شك أن " كيف تصبح " تختلف عن " كيف اصبحت " .. فمع الأولى انت أمام خطوات نظرية قد يكون مؤلفها نفسه لم يقم بها .. و لكنه وضع تلك الخطوات من واقع قرائته لتجارب الكتاب مع الكتابة و من واقع وجهة نظره الشخصية .. و قد يكون مؤلف ( او واضع ) تلك الخطوات ليس روائيا اصلا .. أما

" كيف اصبحت " فهي تحكي قصة حقيقية حدثت لشخص كان عادياً و اصبح فيما بعد روائياً..

حصلت من احد اصدقائي على كتاب بعنوان " كيف أصبحت روائيا" .. نصحني صديقي بقراءة الكتاب بعد اشادة منه بمحتواه .. و لاقى عنوانه عندي استحسان و اثار في نفسي الفضول .. إضافة الى مدح صديقي للكتاب..

الكتاب بإختصار شديد يحكي قصة حياة الكاتب الامريكي "أرسكين كالدويل" (1903-1987) مع الكتابة بشكل خاص .. و قصة حياته بشكل عام .. لم يذكر في الكتاب الكثير من التفاصيل عن حياته الشخصية .. مشاعره تجاه عائلته و اصدقائة.. علاقاته مع الجنس الآخر.. تستطيع ان تقول ببساطة ان نسبة 95% من الكتاب تتحدث عن حياته المهنية

يبدأ "أرسكين كالدويل" برواية كيف بدأ مجال الكتابة صحفياً بالقطعة بدون اجر.. ثم تطوره في مجال الصحافة و بعد ذلك ولعه بكتابة القصص .. و كيف انه في بداياته كتب كثيراً من القصص القصيرة و ارسلها للعديد من الصحف و المجلات و قوبلت كلها بالرفض .. ثم بعد ذلك اعتزاله للعمل الصحفي ليتفرغ لكتابة القصص بعد أن أدخر مبلغ من المال يعينه على التفرغ للتأليف .. و كيف انه كان يكتب لمدة 18 ساعة يومياً.. و يقتطع جزء من دخله لشراء طوابع بريد ليرسل قصص للصحف و المجلات التي كانت في الغالب ترفض نشرها ..

لم يستمر هذا الرفض طويلا .. و بدأت تنشر له شيئاً فشيئاً .. من حين لآخر قصة هنا أو هناك .. .. ثم بدأ في تأليف رواية طويلة اسمها " طريق التبغ " او "Tobacco Road "

و كانت تلك بمثابة البداية الحقيقية له ..

و في الحقيقة ان ما اثار اهتمامي فعلاً أكثر من اي شئ ليس قصة نجاحه نفسها

- و إن كانت تستحق الاهتمام- .. ولكني اهتممت اكثر بأن اقارن بينه و بيني.. بين عصري و عصره .. و بيئتي و بيئته.. حين جلست مع نفسي افكر في قصته و ربطها بشخصي و بالعصر الحالي توصلت للتالي:

1- دهشت جداً من كم القصص التي الفها " ارسكين كالدويل" و رفضت و قوبلت بالتجاهل تارة و بالأستهتار تارة اخرى .. فحسبما ذكر فهو قد كتب كماً رهيبا من القصص .. فتخيل شخص يجلس لمدة 18 ساعة يوميا يكتب بشكل متواصل ثم يرسل كل هذا الى المجلات و الصحف ... و ترفض نشرها مع نقد جارح احيانا !!!

ان كتابة قصة ليس بالعمل الهين .. ان تعصر مخك عصراً .. و تفكر و تنتقي الكلمات انتقاءً.. ثم تتكون القصة امامك اسطراً و صفحات .. و بعد كل هذا يأتي شخص ليخبرك ان هذا بلا قيمة !!!

لو انني كنت مكانه للأمانة لاقلعت عن عادة الكتابة و لأتجهت لأي شئ آخر .. ليس يأسا مني ولكن ايمانا بأني لست موهوباً في الأدب و انها ليست ( سكتي)

ما فعله " أرسكين" يؤكد نظرية قالها أحد المفكرين اليابانيين الذي لا أتذكر اسمه في الحقيقة .. حين قال ان كل شئ قابل للتعلم .. و الانسان عنده القدرة على ان يكون اي شئ شرط ان يتعلمه و يتدرب عليه جيداً.. حتى لو كان غير موهوب فيه .. و أظن أن "أرسكين" نموذج لهذا الشخص.. فهو حين كان يروي قصته .. لم يذكر انه كان منذ صغره يحب الكتابة و يعشقها .. كل ما في الامر انه بمرور الايام استهوته الكتابة و التأليف فقرر ان يكون هذا هو مجاله و عمله ..

و كلنا يعرف ان هناك الكثير منذ نشأتهم و هم يحبون مهنة معينة و مجال معين .. سواء الرسم او الكتابة او التمثيل او الغناء أو .. أو.. ولكني اظن ان ارسكين لم يكن هذا الشخص

2- المشكلة الحقيقية التي واجهت " ارسكين " هي مشكلة الوسيط .. كيف يصل ما يكتبه للجمهور؟ ..

فقديماً ( و الكاتب عاصر النصف الاول من القرن العشرين ) كما نعرف جميعاً.. لم يكن للقصص و الروايات و المقالات أي مخرج للجمهور العريض سوى أن تنشر في الصحف و الكتب و المجلات .. لذا .. فكان الكاتب بحاجة الى وسيط ليصل الى الناس .. و كانت كل المعاناة التي عاناها ارسكين تتمثل في اقناع هذا الوسيط ( الصحف و المجلات و دور النشر) في أن يقبل بالوساطة بينه و بين الجمهور .. و يقبل في أن يكون جسراً تعبر من خلاله افكاره الى الناس...

أما الآن الوضع مختلف تماما و يجعل معاناة ارسكين شئ نتندر به على احوال الماضي..

فلا توجد لدينا الآن حاجة لتلك الوساطة .. بل ان الوضع ربما اختلف في بعض الاحيان .. ففي عصرنا هذا و في وجود الانترنت .. و مع حدوث ما يسمي ثورة الطباعة .. اصبح الوصول للجمهور أسهل ما يمكن .. كل ما عليك فعله هو انشاء مدونة او نشر ما تريد في منتدى او في شبكة اجتماعية مثل الفيس بوك .. او حتى لو معك مبلغ من المال من الممكن ان تنشئ موقع الكتروني خاص بك ..

كما يمكنك بمبلغ ليس كبيراً ان تطبع كتابا بعدد لا بأس به من النسخ .. و تطبع ما تشاء من كلام حتى لو طبعت كتاب ليس به اي شئ .. مجرد صفحات فارغة

و بهذا فإن الوسيط اصبح دوره تقريبا غير موجود أو موجود و لكن هناك وسائل اخرى تتيح لك الاستغناء عن دوره ..

و لكن المشكلة الحقيقية لم تعد الآن في الوصول للجمهور.. المشكلة الحقيقية تكمن في أن تقول ما يجذب الناس اليك ..

3- على الرغم من أن سهولة الوصول للجمهور شئ رائع و يتيح الفرصة للجميع كي ينقل افكاره بسهولة .. الا ان الأمر لا يخلو من بعض العيوب ..

فلو نظرنا لأرسكين مثلا .. فسنجد أنه كافح و كافح و ذاق المر كي ينضر قصة قصيرة او مقال او كتاب .. و خلال رحلة الكفاح تلك لم يكن من السهل عليه ان ينشر أي عمل إلا لو كان مميزاً جداً.. و هذا ما جعله امام تحدي كبير.. ان يطور من نفسه كي يقنع اصحاب الصحف و المجلات و دور النشر ( الوسطاء) كي يقبلوا بأعماله ..

اما الآن .. فإن أي شئ حتى لو كان مجرد هراءات او كلام بذئ قذر من الممكن ان ينشر بسهولة بدون اي عوائق بأي شكل كان .. .. و هو ما لا يجعل عند الكاتب رغبة شديدة في ان يطور نفسه و يطور اسلوبه .. خصوصا و انه سيجد حتما من يقرأ له و يمدحه لأنه لا توجد سلعة في العالم ليس لها مشتري حتى لو ندر او تعذر الوصول له بسهولة .. و لكن تظل كل سلعة لها جمهورها .. لذا فسيظل هو منخدع بهذا الجمهور و يظل يظن نفسه عظيم .. و كاتب حقيقي

4- كان ارسكين يحكي انه يسافر من بلدة لبلدة كي يأتيه الالهام و يستمد الوحي من اسفاره .. فحين يريد مثلا ان يكتب عن الجنوب الاميركي كان يسافر للشمال ..

و في الحقيقة انا احسده على تلك النعمة .. إن هذا الرجل يعيش في زمن اسميه انا " زمن الروقان" .. و هذا هو المصطلع الذي اطلقه على تلك الحقبة " النصف الاول من القرن العشرين " .. حيث كانت الحياة " رايقة " و كانت متطلبات العصر قليلة .. أما الآن و في هذا العصر فإن الانسان لا يستطيع ان يعيش تلك الحياة " الرايقة " الرومانسية .. و يزداد الامر تعقيداً حين تكون هنا .. في مصر

فنحن في مصر لسنا كأمريكا .. نحن لا نقدس حياة الفرد و الوحدة .. و نهتم بالاسرة سواء الارتباط بالاسرة الاولى " الأب و الأم" .. او تكوين اسرة " الزواج و الانجاب" ..

و مستوى معيشتنا نفسه و طبيعة بلدنا لا تسمح لنا بمثل هذا الترحال ( الرايق) .. فقد يعيش المصري منا و يموت و لم ير في مصر اكثر من مدينة او مدينتين خارج حدود مدينته التي يعيش فيها ..

**************************************

**************************************

خلاصة القول:

قصة أرسكين قصة غير واقعية و غير قابلة للتطبيق في زمننا هذا لأختلاف ادوات العصر .. و في بلدنا هذا لاختلاف البيئة و العادات و السلوك

و على الرغم من ذلك فهي قصة ملهمة و محفزة لكثير من هؤلاء الذين يتسائلون " كيف تصبح روائيا" او " كيف تصبح كاتباً"

هناك تعليقان (2):

  1. شكراً لمشاركتنا هذا الكتاب اللى عمرى ماكنت هعرف عنه حاجه لولاك..أنا بحب أقرا مذكرات الكتاب وحكاياتهم بجد بتبقى فعلا محفزة للكتابة والتجريب..ميرسى يا أحمد متشكرين ياعم يارب ألاقى الكتاب!!!

    ردحذف
  2. اشكرك على القراءة انا ظننت أنها لن يقرأها أحد :D

    ردحذف